يتساءل عدد من المراقبين للسياسة الداخلية والخارجية السعودية؛ عن أي منطق يجمع عناصرها، وبأي خيارات تسعى للحفاظ على أمنها القومي، وأي سياسات خارجية يمكن لها تنتهج لدعم تحولات سياستها في الداخل، وإلى أي حد يمكن أن تحقق التنتاغم بين تحولاتها في الداخل وبين توجهات سياستها الخارجية؟ في السابق، كانت سياسات المملكة العربية السعودية في درجة عالية من التوازن والانسجام: تنطلق من قاعدة تعاون خليجي صلب مدعوم بالملكيتين العربيتين: المغرب والأردن، بالإضافة إلى مصر التي لم تكن تخرج عن دائرة التعاون مع دول الخليج، وكان هذا الوضع يمنحللسعودية هامش مناورة واسع للتحرك اتجاه أمريكا والصين وحتى روسيا إن اختارت ذلك. أما بالنسبة لأمنها القومي، فقد كان طرفه في مجموع دول الخليج بدون استثناء، وطرفه الثاني في اليمن، وطرفه الثالث في دول البحر الأحمر الحليفة (مصر والسودان خاصة)، وطرفها الرابع في الأردن، وكانت مشكلة أمنها القومي متجسدة في العراق الذي يسيطر الشيعة نسبيا على جنوبه، وخليج فارس. أما بالنسبة للموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، فقد كانت نقطة قوة المملكة العربية السعودية، أنها كانت تمثل الخط الوسط بين محور الاعتدال ومحور الصمود، ذلك الموقع الذي مكنها أكثر من مرة، للقيام بمصالحات استراتيجية أعادت التوازن للموقف العربي، سواء في لبنان من خلال اتفاق الطائف، أو في فلسطين من خلال اتفاق مكة بين فتح وحماس. أما دورها المركزي في إبرام المصالحات الاستراتيجية، فقد تراجع بشكل كبير، فاستعادت مصر دورها الحيوي في تدبير العلاقة بين فتح وحماس، وأصبحت السعودية – بفعل أخطائها في لبنان (احتجاز سعد الحريري وإجباره على تقديم استقالته) – متهمة بالتدخل في الشأن الداخلي اللبناني، ومهددة لتوازنه واستقرراه، إذ منحت لحزب الله ذريعة غير مسبوقة لتأكيد اعتداله السياسي وحرصه على الاستقرار، وفي الوقت ذاته تساهم بأخطائها القاتلة؛ في خلق أوسع قاعدة اصطفاف شيعي سني مسيحي ضد السعودية، بل وتدفع الحزب البناني الحليف لها لحراك داخلي لا يخدم مصالحها، هذا فضلا عن إثارة ردود فعل غاضبة لعدد من الدول الغربية في مقدمتها فرنسا. أما بالنسبة لدورها في سوريا، فقد أضعف موقفها في الصراع مع قطر موقف الدول الداعمة لرؤيتها، وبشكل خاص تركيا التي اضطرت إلى انتهاج سياسة جد حذرة مع السعودية؛ تتأرجح بين المد والجزر، بسبب اللعب السعودي على الورقة الكردية نكاية في الدعم التركي لقطر، لتكون النتيجة دفع تركيا للتنسيق مع إيران على خلفية هذا الملف، والبحث عن خيارات وسط لحل الأزمة السورية. ثم تأتي معضلة السياسة الخارجية السعودية في توجهها إلى روسيا، في لحظة تسعى فيه إلى أن تضرب فيه توازنات السياسة الروسية في المنطقة، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق. خلاصة رصد هذه المواقف، أن صناع القرار السياسي في المملكة العربية السعودية، وبسبب رغبتهم في حسم ملف انتقال العرش، يربكون الوضع الداخلي، ويخلقون شروط تمزق الصف السعودي، وتمزق مراكز القوى في البلد، ويدفعون بشكل غير مسبوق إلى هدم كل جدران منظومة الأمن القومي السعودي، ويضحون بمصالح بلدهم الاستراتيجية في أكثر من مكان، وقبل هذا وذاك، يزيدون من تمزق الوضع العربي، والتمكين أكثر لهيمنة إيرانية على اليمن ولبنان، ويساهمون في إضعاف قدرة الكويت والبحرين على الصمود في حالة إذا تم تحريك شيعة الداخل في شكل حراكات شعبية، ويرفعون من جاهزية شيعة السعودية (في الشرق) للتحول من حالة مذهبية ثقافية إلى حالة سياسية.