في مثل هذا اليوم من سنة 1981 شهدت مدينة الدارالبيضاء احتجاجات اجتماعية شعبية قام لها التاريخ وقعد، وارتوت الشوارع فيها بدماء شهداء "الخبز الغالي". كان يوما وقف فيه المواطنون لمطالبة حكومة المعطي بوعبيد آنذاك بالحد من ارتفاع الأسعار التي لاتتوافق و قدراتهم الشرائية البسيطة، فاستجابت الحكومة بتخفيض أعدادهم. الأسباب والسياق التاريخي: حسب كرونولوجيا الأحداث المتداولة، في يوم 28 ماي 1981، أعلنت حكومة المعطي بوعبيد زيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، فواجهت الكونفدرالية المغربية للشغل القرار الحكومي الصادر بدعوة لتنظيم إضراب عام في البلاد يوم 20 يونيو1981، وكان هذا القرار ضربة قوية للحكومة التي لم تولي أولوية لراحة المواطن، فقرر المواطن أن يقف في وجه قرارها القاهر قائلا: تمهلي أيتها الحكومة أنا هنا موجود. وبعد تنفيذ ناجح للإضراب خصوصا بمدينة الدار البيضاء التي تعد فطبا اقتصاديا للبلاد، قامت قوات الأمن، في محاولة لإفشاله، بمواجهة وتشتيت التجمعات، تفاعلت السواعد المرفوعة والأصوات الصادحة مع تدخل الأمن بتكثيف الهتاف والثبوت على المطالب، والمخزن يجيب بلغة الهروات، لتتطور الأمور بعدها إلى اندلاع مظاهرات شعبية في مختلف الأحياء الشعبية بالمدينة تدخلت على أثرها عناصر الجيش وواجهت تلك الاحتجاجات بالقمع والعنف والاعتقالات. أردت تلك الأحداث عدد من القتلى والجرحى اشتهروا لاحقا باسم "شهداء الكوميرا"، وهي كنية أطلقها عليهم وزير الداخلية المغربي خلال تلك الفترة الراحل إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا. الضحايا: المعطيات التاريخية تضل متضاربة ومبهمة فيما يخص عدد ضحايا "انتفاضة الكوميرا"، فقد صرحت السلطات المغربية حينئذ إنهم لم يتجاوزوا 66 قتيلا و110 جرحى، في حين ذكرت هيئة الإنصاف والمصالحة أن العدد بلغ 114 قتيلا، أما المعارضة، ممثلة أساسا آنذاك بحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، فأشارت إلى أن العدد بلغ حدود 600 قتيل وخمسة آلاف جريح، وأما الجمعيات الحقوقية فقالت إن الرقم تجاوز ألف قتيل. ولم تكتفي الحكومة بإراقة الدماء فقط، بل أردفت ذلك بموجة من الاعتقالات في صفوف أحزاب المعارضة والنقابات وكذا عدد من المشاركين في الاحتجاجات، وحسب ما أوردته جرائد المعارضة آنذاك فقد تم اعتقال حوالي 26 ألف شخص، في حين حصرت السلطات عدد المعتقلين في 500 شخص، كما تم منع صدور صحيفتي المعارضة "المحرر" باللغة العربية و"لبيراسيون" باللغة الفرنسية التابعتين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. الانعكاسات: أجبرت تلك الأحداث الحكومة على التراجع عن الزيادات التي فرضتها على الأسعار، لكنها حملت في بيان رسمي المسؤولية لأحزاب المعارضة والتي كانت أغلبها يسارية، وكانت ممثلة في أحزاب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية وحزب التحرر والإشتراكية (التقدم و الإشتراكية حاليا)، وكذلكبعض الفعاليات اليسارية الثورية على غرار منظمة العمل الديمقراطي الشعبي و الحركة الديمقراطية الشعبية، وقد بررت الحكومة تدخلها بما اعتبرته وجود عناصر متآمرة من الخارج تحاول التشويش على لقاء المغرب في مؤتمر نيروبي حول قضية الصحراء المغربية آنذاك. و من جهتها وصفت المعارضة تلك الأحداث بأنها "مجزرة حقيقية" في حق المغاربة، وطالبت بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لكن السلطات امتنعت عن الامتثال لمطلبها، كما تم فرض حظر وتضييق على وسائل الإعلام المغربية والدولية لتغطية تلك الأحداث. المقبرة: حسب ما أفادت به مصادر المعارضة حينئذ فإن أغلب ضحايا أحداث 1981 دفنوا في ما تم وصفه بمقابر جماعية سرية، قالت إن من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ بالحي المحمدي والتي أصبحت معروفة اليوم بمقبرة "الشهداء" بمنطقة الصخور السوداء، لكن بعد أن تم تأسيس "جمعية 20 يونيو 1981″ التي يضم عائلات ضحايا ومعتقلي تلك الأحداث، تمت المطالبة بتحديد القبور في المقابر السرية، وهو ما عملت عليه هيئة الإنصاف والمصالحة لاحقا بناء على تحريات اعتمدت فيها على محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة. وفي 5 سبتمبر 2016 افتتحت مقبرة رسمية لضحايا احتجاجات 1981 بالدار البيضاء بحضور مسؤولين حكوميين وشخصيات حقوقية ومدنية وعائلات بعض الضحايا، بهدف تحقيق ما وصفته جهات حقوقية ب"إعادة الاعتبار لضحايا هذه الانتفاضة خلال فترة صعبة من تاريخ البلاد". وفي نفس الإطار، أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة بحفظ ذاكرة الاعتقال والقمع والتضييق على الحريات حتى تتذكرها الأجيال الصاعدة لضمان عدم تكرار ما حدث، وذلك عبر ترميم أماكن الاعتقال السرية وتحويلها إلى معارض.