احتجاجات اجتماعية شعبية شهدتها مدينة الدارالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، ردا على زيادة في أسعار مواد غذائية أساسية، وخلفت ضحايا، مما جعلها موضوع جدل حقوقي داخلي يؤرخ لمرحلة من "سنوات الرصاص" بالبلاد إلى حين إعلان مقبرة رسمية لضحاياها عام 2016. السياق والأسباب بعد إعلان حكومة الراحل المعطي بوعبيد يوم 28 مايو/أيار 1981 زيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، دعت الكونفدرالية المغربية للشغل (مستقلة) لشن إضراب عام في البلاد يوم 20 يونيو/حزيران 1981 احتجاجا على تلك القرارات. وبعد تنفيذ ناجح للإضراب خصوصا بمدينة الدارالبيضاء التي تعد كبرى مدن البلاد، قامت قوات الأمن، في محاولة لإفشاله، بمواجهة وتشتيت التجمعات خلال يوم الإضراب، مما أدى إلى اندلاع مظاهرات شعبية في مختلف الأحياء الشعبية بالمدينة تدخلت على أثرها عناصر الجيش وواجهت تلك الاحتجاجات بالقمع والعنف والاعتقالات. وسقط جراء تلك الأحداث عدد من القتلى والجرحى اشتهروا لاحقا باسم "شهداء الكوميرا"، وهي كنية باللهجة المغربية تطلق على نوع من الخبز الفرنسي بعد أن أطلقها عليهم وزير الداخلية المغربي خلال تلك الفترة الراحل إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا. واستمرت أعمال العنف إلى حدود يوم 21 يونيو/حزيران الموالي، وفرضت قوات الأمن والجيش بالمغرب طوقا بالدبابات والسيارات العسكرية على كافة أحياء الدارالبيضاء. الضحايا تتضارب المعطيات بشأن عدد الضحايا الذين قالت السلطات المغربية حينئذ إنهم لم يتجاوزوا 66 قتيلا و110 جرحى، في حين ذكرت هيئة الإنصاف والمصالحة -وهي مؤسسة حكومية شكلت لبحث ملفات الاعتقال السياسي منذ استقلال المغرب وحتى عام 1999، أو ما تسمى في المغرب بسنوات الجمر والرصاص- أن العدد بلغ 114 قتيلا، أما المعارضة، ممثلة أساسا آنذاك بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فأشارت إلى أن العدد بلغ حدود 600 قتيل وخمسة آلاف جريح، وأما جمعيات حقوقية مغربية أخرى فقالت إن الرقم تجاوز ألف قتيل. وتحدثت مصادر المعارضة حينئذ على أن أغلب ضحايا أحداث 1981 دفنوا في ما وصفتها بمقابر جماعية سرية، قالت إن من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ قرب أحد الأحياء الشعبية الشهيرة بالمدينة يعرف باسم "الحي المحمدي". كما شنت السلطات عقب ذلك حملة اعتقالات واسعة في صفوف أحزاب المعارضة والنقابات وكذا عدد من المشاركين في الاحتجاجات شملت -حسب المعارضة - حوالي 26 ألف معتقل، في حين حصرت السلطات عدد المعتقلين في 500 شخص، كما تم منع صدور صحيفتي "المحرر" باللغة العربية و"لبيراسيون" باللغة الفرنسية التابعتين لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. الانعكاسات أجبرت تلك الأحداث الحكومة على التراجع عن الزيادات التي فرضتها على الأسعار، لكنها حمّلت في بيان رسمي المسؤولية لأحزاب المعارضة، وبررت تدخلها بما اعتبرته وجود عناصر متآمرة من الخارج تحاول التشويش على لقاء للمغرب في مؤتمر بنيروبي حول قضية الصحراء المغربية، وفي المقابل وصفت المعارضة تلك الأحداث بأنها "مجزرة حقيقية" في حق المغاربة. ورغم مطالبة المعارضة آنذاك بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، امتنعت السلطات عن ذلك، كما تم فرض حظر وتضييق على وسائل الإعلام المغربية والدولية لتغطية تلك الأحداث. واعتبر عدد من المتتبعين بالمغرب أن "الانتفاضة" شكلت مقدمة لاحتجاجات 19 يناير/كانون الثاني 1984 بعدد من المدن المغربية خصوصا بمنطقة الريف ومراكش والقصر الكبير، بعد شروع الحكومة في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بتوصية من صندوق النقد الدولي وارتفاع الأسعار وفرض رسوم على التعليم، وهي الأحداث التي خلفت بدورها قتلى حددت السلطات أعدادهم في 16 شخصا، في حين قالت المعارضة وتقارير إعلامية إنهم تجاوزوا 80 شخصا. المقبرة تأسست جمعية ضمت عائلات ضحايا ومعتقلي تلك الأحداث أطلق عليها اسم "جمعية 20 يونيو 1981"، وعملت هيئة الإنصاف والمصالحة لاحقا على تحديد قبور الضحايا في المقابر السرية بناء على تحريات اعتمدت فيها على محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة. وافتتحت بعد ذلك يوم الخامس من سبتمبر/أيلول 2016 مقبرة رسمية لضحايا احتجاجات 1981 بالدارالبيضاء بحضور مسؤولين حكوميين وشخصيات حقوقية ومدنية وعائلات بعض الضحايا، بهدف تحقيق ما وصفته جهات حقوقية ب"إعادة الاعتبار لضحايا هذه الانتفاضة خلال فترة صعبة من تاريخ البلاد". وفي الإطار نفسه، أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة بحفظ ذاكرة الاعتقال والقمع والتضييق على الحريات حتى تتذكرها الأجيال الصاعدة لضمان عدم تكرار ما حدث، وذلك عبر ترميم أماكن الاعتقال السرية وتحويلها إلى معارض.