"عواشر مبروكة "عبارة يرددها جل المغاربة، مهنئين بعضهم البعض احتفالا بحلول شهر رمضان المبارك. من الواضح أن المباركة بالصوم مازالت موجودة حتى وقتنا الحالي و لكن الطريقة هي التي اختلفت فسابقاً كان يعني قدوم الشهر هو الزيارات المتبادلة ودعوة الأقارب، أما الآن وبسبب انشغال الناس وطبيعة العصر الحديث فقد انحصرت باتصال على الهاتف أو رسالة على الجوال أو مواقع التواصل الاجتماعي على الأكثر. ليست طريقة المباركة وحدها من تغيرت، فعادات كثيرة اندثرت. الكل يجمع على أن لرمضان في الماضي طبعه الخاص وأنهم كانوا يستمتعون برمضان في الماضي أكثر من هذه الأيام. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف كان رمضان في السابق؟ وما هي العادات القديمة التي اندثرت و الأخرى التي فرضتها الحياة العصرية الجديدة ؟ للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها "نون بريس" تسلط الضوء على عادات رمضان بعيون أناس تعيش الفترة الحالية و عاشت الفترة الماضية لتقارن بين اليوم والأمس : "نون بريس" إلتقت بالحاجة عائشة التي تحدثت عن رمضان الأمس بكثير من الحنين. تقول :« في زماننا كنا نستعد لرمضان بأسابيع قبل حلوله، كنا ننتظره بشوق كبير فنقوم بتوفير كل الأمور التي نحتاجها، و تعمل النساء على تنظيف و ترتيب بيوتهن استعدادا لقدوم الضيف الكريم، فيقمن بشراء وتنقية التوابل و طحنها على الآلة اليدوية التي تسمى "المهراز". ثم يقمن بصناعة شتى أنواع الحلويات، الشباكية و المخروقة و المقروط بالإضافة إلى سلو . تضيف بتأسف، الآن أغلب السيدات يشترين هذه الحلويات جاهزة من السوق». مضيفة « كانت رائحة الحساء أو ما يسمى الحريرة تنتشر منذ نصبها في وقت الظهر، إلى أن تمتد مختلطة برائحة الخبز و الرغيف قبيل المغرب كانت الأزقة والشوارع تمتلأ بالرائحة، والأطفال يلعبون في الحي في إنتظار سماع صوت المدفع وأذان المغرب، فيركضون إلى منازلهم من أجل الإجتماع حول مائدة الإفطار والإستمتاع وأكل ما لذ و طاب من الوصفات المغربية الموجوذة على المائدة . ختمت حديتها بأسا "مشات أيام زمان ". حدثنا أيضا السيد عبد الغني عن طقوس رمضان في الزمان الغابر. قائلا :« رمضان شهر مختلف ورائع يستشعر خلاله المرء بقدسية هذا الشهر، فهو فرصة للخشوع و تهديب النفس.لا زلت أتذكر ليلة رؤية الشهر، كان لها مكانة مختلفة كنا نصعد إلى السطوح لنرى الهلال بعد الإعلان عن رؤيته حينها تبدأ النسوة بالزغاريد، كانت الفرحة تعم الجميع صغارا و كبارا. فترى الناس يتبادلون الأدعية والمباركات والتهاني فيما بينهم سرورًا بحلول الضيف الكريم الذي يغير حياة كثير من الناس تغييرًا كليًا .دون أن ننسى صلة الرحم و تبادل الزيارات الذي يكثر في ذلك الشهر، كنا نقضي معظم الوقت في الزيارات و تناول الفطور عند الأقارب ويلتف الجميع حول مائدة الإفطار، متناسين ما كان من خلافات، قبل مجيء رمضان. فالكل مع الصيام يتناسى الخصام، ويتصالح الجميع حول هذه المائدة ذات المفعول السحري. فكان رمضان شهر التواصل الإجتماعي بكل صوره. لعل أكثر ما كان يميزنا في ذلك الوقت هو أننا كنا نسعد بالبساطة ما يهمنا هو ذلك التكافل الأسري و الأوقات الجميلة التي نقضيها مع بعضنا البعض.لم تكن الأمور كما هي عليه الآن من تطور متطلبات الحياة ،حتى مائدة الإفطار اليوم مختلفة لاتكون كاملة إلا إذا إمتلأت بمختلف أنواع الطعام من فطائر و مشروبات و حلويات و حساء ففي بعض الأحيان لا تكفي مائدة واحدة لإستيعاب ما تم تحضيره من الطعام. تحول هذا الشهر الكريم في نظر العديد إلى شهر عادي، يصوم الجميع نهاره ويفطروا ليله، دون إدراك للمعنى الحقيقي للصوم و الذي يتجلى في الخشوع والتوبة و التخلص من شوائب الأكل للإحساس بنعمه، فهو فرصة لتجويع الجسم لا للأكل بشراهة و الإنزياع نحو رغباتنا و حاجاتنا الفطرية. للأسف جل هذه السمات الجميلة لرمضان، بدأت تختفي نظراً للصعوبات التي تفرضها الحياة علينا وإ نشغال الجميع بهموم الحياة التي لا تنتهي ". من جهتها تشاطره السيدة خديجة الرأي قائلة :" كل شيء كان له قواعد و أصول، كنا نبدأ الصيام في شهر شعبان استعدادا لصيام شهررمضان، و عند منتصف شعبان نتوقف عن الصوم وتبدأ النسوة بالتسوق لتحضير ما يلزم لإستقبال هذا الشهر. وعند دخول شهر رمضان. الكل يشرع بالصيام و يعيش الأجواء الرمضانية حيث تمتلأ الأزقة بالنسوة في الصباح و يقمن بأشغالهن (تنقية الخضر و القطاني و تبادل الأفكار فيما يخص وصفات الإفطار) في جو من التعاون و المتعة و الضحك. فيدخلن بعدها إلى بيوتهن لتحضير ما لذ و طاب من الأطباق التي تختلف من منطقة إلى أخرى حسب العادات و التقاليد. ومع إقتراب أذان المغرب يبدأ تبادل "الشهيوات" و الحساء بين الجيران لأن مذاقها يختلف من جارة لجارة و من بيت إلى بيت. و لوجبة السحور أيضا وقعها حيث كان "النفار" يخرج كل عشاء ليتجول في أزقة المدينة القديمة، فيما كان "الغياط" يجوب الدروب وقت السحور من أجل إيقاض الناس لإعداد وجبة السحور حيث تكون النسوة قد أعدت عجينها قبل النوم وعند استيقاظهم يقمن بإعداد الفطائر (مسمن، بطبوط، بغرير…) لوجبة السحور و بعدها يمرالغياط للمرة الثانية تذكيرا بإقتراب موعد السحور قبل أذان الفجر. أما بالنسبة للإحتفالات فقد كانت تأخد نصيبها من هذا الشهر حيث يتم الإحتفال في منتصف الشهر فيتم إستدعاء جميع أفراد الأسرة و إعداد وليمة للعشاء كإحتفال بهذا اليوم دون أن ننسى أيضا ليلة القدر، كنا نعد الكسكس كوجبة خاصة لذلك اليوم و نوزعها على المساجد من أجل إطعام المساكين. في حين يتم الإحتفال في البيوت بإعداد طبقين الأول مكون من الدجاج و والثاني من اللحم والبرقوق " . أضافت ضاحكة " لازلت أتذكر احدى الطرائف ذات مرة في اليوم الأخير من رمضان تعذرت رؤية هلال شوال مما يعني صوم يوم أخر و في الغد استيقظت الناس في الصباح على صيام ،و على الساعة 12 ظهرا تم اكتشاف أن ذلك اليوم هو يوم عيد فدقت زمارة العيد والكل يجري من أجل إعداد الفطور و إخراج زكاة الفطر استعدادا لإستقبال العيد بعد نصف يوم من الصوم . ختمت كلامها "كانت طريفة لا تنسى". بالرغم من التغيرات التي طرأت على رمضان يبقى دائما و بلا منازع شهر الإيمان والتآخي والخيرات. يمكن القول أن لشهر رمضان بالمغرب موقع خاص في قلب كل مغربي.حيث تبدو العيون حزينة عند اقتراب انقضائه، دون أن يخفي هذا الحزن فرحة مرتقبة بضيف جديد اسمه عيد الفطر.