شهد المغرب خلال بداية الألفية الثالثة وثيرة متسارعة في انجاز مجموعة من الأوراش الكبرى والتي شملت مجموعة من الميادين الثقافية والاجتماعية والعمرانية والاقتصادية ...، وقد انعكست هذه الدينامية التنموية وبدرجات متفاوتة على مجموعة من المدن المغربية سواء منها الكبيرة أو الصغيرة والمتوسطة، لكن الملفت للانتباه أن إقليمالخميسات عموما وعاصمته مدينة الخميسات على وجه الخصوص لا يزالا بعيدين عن هذه الدينامية، ولا تزال مختلف مظاهر التهميش والهشاشة تلقي بظلالها الكئيبة على كل مناحي الحياة بهما ؛ الأمر الذي يستدعي معه ضرورة طرح أسئلة عريضة من قبيل: لماذا استفادت مجموعة من المدن من إمكانات الدولة في إنجاز أوراش تنموية حقيقة بينما بقي سؤال التنمية بالخميسات مؤجلا إلى إشعار غير معروف ؟ من المسؤول عن هذه الوضعية ؟ وماهي الفرص الممكنة للنهوض بورش التنمية المحلية بالمدينة ؟ لا بد في البداية من الإقرار بأن إنجاز التنمية المحلية مسؤولية تتقاسمها مجموعة من الأطراف وبدرجات مختلفة، حيث يسود تمثل لدى الرأي المحلي بأن المجلس الجماعي للمدينة هو المسؤول الوحيد عن التنمية المحلية حضورا أو غيابا ، وهو أمر غير صحيح. دون أن ينفي ذلك المسؤولية الكبيرة للمجالس المنتخبة في إنجاز تنمية محلية مستدامة، منطلق سوف يقودنا إلى استنتاج، وهو أن هذا التمثل حول دور المجالس المنتخبة ليس عفويا ، بل هو جزء من رؤية ناظمة تسعى الى استدامة حالة الركود التي تعرفها المدينة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف، لعل محاولة استجلاء خلفياتها النظرية كفيل بالإجابة عن سؤال أسباب غياب التنمية المحلية بالمدينة. إن الوضعية الحالية لمدينة الخميسات تعد في اعتقادنا نتيجة حتمية لتظافر مجموعة من العوامل الظرفية والبنيوية نجمل بعضا منها فيما يلي: حداثة المدينة التاريخية : تعتبر مدينة الخميسات من المدن الحديثة في المغرب من الناحية التاريخية، الأمر الذي يفسر ضعف تراكم إرثها المادي )مدينة عتيقة مآثر تاريخية..( ما يقلل من حظوظها في أن تكون مركز إشعاع جهوي ووطني فضلا عن عدم تمكينها من مراكمة قيم وتقاليد مدنية مواطنة ترقى بالمدينة إلى مربع المدن الحضرية العريقة التي تتمتع بكل الشروط التي تؤهلها لأداء أدوارها الريادية على الصعيد الوطني، هذا الوضع يزداد تدهورا مع استمرار ظاهرة الترييف " la ruralisation " بسبب افتقارها إلى بنيات قادرة على استيعاب وإدماج وفود الهجرة القروية، مما جعلها مدينة شبه حضرية تتعايش فيها مختلف أنماط العيش القروي وتنتشر فيها مظاهر العشوائية سواء على مستوى الأنشطة من خلال الباعة الجائلين واستفحال الاقتصاد غير المهيكل أو على مستوى السكن من خلال الأحياء العشوائية التي تطوق المدينة. في المقابل تغيب عن المدينة المرافق النوعية التي من شأنها أن ترقى بالمجال العمراني، كي تضمن لها إشعاعا على مستوى المجال الذي تؤطره كعاصمة للإقليم من قبيل كلية أو جامعة أو مستشفى جامعي أو مناطق صناعية، معطى فوت على المدينة فرص الاستفادة من عوائد هذه المشاريع للنهوض بورش التنمية المحلية . غياب هوية للمدينة: استطاعت مجموعة من المدن المغربية أن تبلور هوية تميزها عن غيرها من المدن الأخرى، فاس لها هوية علمية، الرباط له هوية ادارية، البيضاء لها هوية اقتصادية، مراكش نموذج سياحي، الهوية شرط محدِّد في صياغة نمط ونوعية المخططات والبرامج التنموية المحلية المنشودة، لم تتمكن الأطراف الفاعلة بالمدينة من إبراز هوية لها ، وهو ما يجسده بشكل عفوي أو رمزي رقم x الحرف الفرنسي الذي تبتدئ به رقم البطاقة الوطنية لإقليمالخميسات، وهو معبر في مجال الرياضيات بالعنصر المجهول، إنه تحالف بين العلم والواقع لمصادرة حق المدينة في هوية مستحقة، ربما يكون الأمر من باب الصدف لكن يعكس واقع البحث عن هوية مفقودة للمدينة. غياب سياسات عمومية ناجعة:ثمة اعتقاد سائد لدى المواطن الخميسي مفاده أن غياب التنمية المحلية بالمدينة ، ليس نتيجة عفوية بل هو فعل إرادي، تسعى من خلاله بعض من دوائر صناعة القرار السياسي إلى جعل مدينة الخميسات ضمن دائرة المناطق التي من خلالها يتم ترتيب الخريطة الانتخابية على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الإقليمي، وبالتالي يتوجب الابقاء على سياسات عمومية هشة بالمدينة، لا تتمتع بجاذبية ساكنة المدينة، مما يوسع من دائرة العزوف الانتخابي، أمر يمكن من الإبقاء على شريحة انتخابية قليلة ، يسهل استمالتها إما بالمال أو المصالح أو التخويف أو القبيلة . غياب سياسات عمومية مواطنة هو من أجل تأمين استمرار وديمومة ظاهرة العزوف السياسي والتوسيع من دائرة المبعدين من المشاركة السياسية تيسيرا لعملية التصرف في نتائج الاستحقاقات لصالح هذه الجهة أو تلك ضمن استراتيجية لضمان الخارطة الانتخابية المرغوب اقليميا أو جهويا أو وطنيا . أزمة النخب المحلية: جزء من أزمة المجالس الجماعية المتعاقبة على المدينة، هو غياب نوعية من النخب المحلية القادرة على مباشرة مهام المنتخب من موقع الفعالية والنجاعة والعطاء، والقدرة الاقتراحية والمتابعة والتواصل مع الساكنة ، مع تسجيل استثناءات قليلة طبعا . هذا الفراغ قاد إلى هيمنة نمط من المنتخبين الذين يتمثلون العمل السياسي عموما والعمل الجماعي خصوصا كموقع للريع وبناء شبكات من المصالح الخاصة وتبادل المنافع، بدل القناعة بأن ممارسة الشأن العام جزء من استحقاقات المواطنة، وأن النخب المحلية رافعة أساسية في التنمية المحلية، مما يستلزم ممارسة سياسية تستحضر قيم النبل والعطاء ونكران الذات وتغليب المصلحة العامة . أحزاب سياسية مترهلة : يسترعي انتباه المتتبع للشأن السياسي بالمدينة أن أغلب الاحزاب السياسية بالمدينة ، تخلت عن دورها في ممارسة التأطير والتكوين للمواطنين، إذ يلاحظ شبه انعدام لأنشطتها الداخلية والاشعاعية بالمدينة على مدار السنة، مما جعلها تتحول الى مقاولات انتخابية تشتغل بمنح/ بيع التزكيات لمن يدفع أكثر، وهو ما يفسر أن منطق (اختيار أو ترشيح) وكلاء اللوائح يدبر بمنطق السوق . وهذا ما يفرز نخبا محلية فاقدة للمصداقية وللشرعية النضالية والأخلاقية والنزاهة الفكرية، أمر تسنده ملاحظة أن أغلب مقرات الاحزاب السياسية، لا تفتح أبوابها إلا مع كل بداية كل استحقاق انتخابي وتغلقها بمجرد الإعلان عن النتائج. ومما يكرسرداءة الحياة الحزبية بالمدينة إذ أصبح من المألوف والمعتاد تغيير عدد من المستشارين الجماعيين لانتماءاتهم الحزبية عند كل استحقاق. ما يكرس لدى المواطن /الناخب فكرة أن هؤلاء الناخبين إنما تحركهم مصالحهم الذاتية لا غير. وأنه لا اعتبار للهوية السياسية للمرشح مما يكرس مزيدًا من تبخيس العملية السياسية عموما . معارضة غير فاعلة: منح المشرع/ الدستور موقعا خاصا للمعارضة داخل المجالس الجماعية، من أجل المساهمة في دمقرطة مخرجات التدبير الجماعي، بيد أن هذه المعارضة لم تتمكن لحد الساعة من استثمار هذا الموقع لتقديم بدائل معقولة ومقترحات عملية تفيد الجماعة. وكمثال على ذلك لم تتمكن المعارضة بالمجلس الجماعي للخميسات من توظيف آلية وضع الأسئلة الكتابية المتاحة لها إلا في حدود ضعيفة جدًا. وهو ما يدفعنا للتساؤل: هل فعلا هناك معارضة مؤسساتية؟ وهل لهذه المعارضة رهانات سياسية معينة ؟ أم أنها جزء من الترتيبات لاستدامة الوضع المأسوي بالمدينة ؟ مجتمع مدني معطل : لعل أحد الديناميات المهمة في التنمية المحلية حضور المجتمع المدني كقوة ترافعية في اتجاه مزيد من الطلب على المشاركة والانجاز والمساهمة من أجل تحقيق الجودة في الحياة . بالنسبة للمدينة فإن المشكل يتجلى في أن الجزء الأكبر المحسوب علىالمجتمع المدني هو صاحب الصوت الأعلى، في وقت تجده يقتات من الدعم الذي يحصل عليه من هنا أو هناك دون التزام بدفتر للتحملات الذي يربط بين الاستفادة من الدعم وإنجاز أنشطة لها عائد تنموي ، وجزء آخر يندرج ضمن دائرة عملية تحقيق التوازن والتشويش على الجمعيات الجادة، والجزء الأخطر الفتاك بالتنمية هو ذاك الذي له ارتباط بدوائر صناعة القرار المحلي؛ حيث يستثمر منطق الابتزاز والتخويف والترهيب والتشهير من خلال توظيف مواقع إعلامية محلية مشبوهة تشتغل تحت الطلب . بينما يبقى جزء قليل من المجتمع المدني الحقيقى والفاعل والذي اختار العمل في صمت الاشتغال على ملفات عوائدها كبيرة تستلزم وقتا أطول ، يسجل أن صوته غير مسموع أو لا يراد سماعه، وتتم محاصرته . انتظارية السلطتين الاقليمية والمحلية: من المؤكد أن دور السلطتين المحلية والاقليمية حاسم في تفعيل واحتضان مختلف البرامج التي يتم برمجتها إما على مستوى البرامج الحكومية أو الجهوية أو على المستوى المحلي. يسجل على المستوى التنموي بالمدينة انتظارية غير مبررة في معالجة مجموعة من القضايا التي تقع تحت دائرة اختصاص هاتين السلطتين، لعل نموذج التعامل مع ملف احتلال الملك العمومي بالمدينة صورة واضحة في هذا المضمار، مما حول المدينة إلى سوق أسبوعي يومي بسبب انتشار الباعة الجائلين، وأيضا «البلوكاج» الممنهج للتنمية الذي عرفته المدينة مع السلطة الاقليمية السابقة ، يجسد مثالا صارخا . ولحد الساعة لازالت مدينة الخميسات تعيش حالة من الانتظار في انتظار أن يرفع عنها الانتظار . جشاعة لوبيات العقار : شكلت المجالس الجماعية المتعاقبة على تدبير مدينة الخميسات أحد ساحات صراع لوبيات العقار على اعتبار أن حيازة السلطة هي مدخل أساسي لحيازة الثروة، وهو صراع يؤطر العملية السياسية برمتها من خلال تحولها الى تنافس شرس حول تملك السلطة والثروة، أمر انعكس بشكل كبير على المشهد العمراني للمدينة حيث اختفت مجموعة من المناطق الخضراء، بعد أن تم اكتساحها بواسطة الإسمنت المسلح، مما عاق عملية إنشاء ملاعب للقرب أو مناطق خضراء جديدة في مجموعة من الاحياء، بسبب عدم توفر الأوعية العقارية التي يمكن أن تحتضن مثل هذه المشاريع نتيجة سلوكات غير مواطنة من لوبيات العقار تجاه البلاد والعباد . غياب الحكامة: أحد أهم أعطاب العمل الجماعي بالمغرب هو غياب الحكامة بما تمثله من حسن تدبير المرفق بطريقة فعالة وناجعة، لا تستغرق في التدبير اليومي وتنزع نحو التدبير بالنتائج، هذا الوضع سعى المشرع إلى تجاوزه من خلال إلزام المجالس الجماعية، بوضع برامج عمل والذي يعد بمثابة لوحة قيادة ورؤية استشرافية لبرامج تنموية مندمجة ، حيث أن برنامج العمل يمكن المجلس من خطة مفصلة عن طبيعة برنامج عمل يتملك المجلس من خلالها رؤية واضحة لطبيعة أولويات المرحلة والمشاريع المستقبلية المناسبة لها، وذلك لأجل القطع مع ثقافة تدبيرية تغيب الرهانات التنموية الكبرى وترهن حصيلة المجلس لثقافة تدبيرية بسيطة بسبب غياب رؤية مستقبلية لأفق التنمية بالمدينة. هذه بعض مستويات المسؤولية في تفسير أسباب غياب التنمية المحلية عن المدينة، وأي محاولة لتجاوز هذه المعيقات تقتضي بالضرورة استحضار حلول من جنس المسببات، والتي يمكن أن تشكل منطلق لبناء رؤية تنموية مستدامة تحقق جبر الضرر الذي لحق مدينة الخميسات من جراء تعاقب سياسات عمومية معطوبة عليها . للأسف سقف الإنتظارات لإنجاز ما على يد القوى السياسية بالمدينة بدأ يخفت في ظل غياب مؤشرات قوية على قرب انطلاق أوراش تنموية بالمدينة، أمر يعزز الصورة السلبية التي يحملها المواطن عن الاحزاب السياسية التي لم تتمكن من استقطاب ساكنة المدينة الى دائرة الفعل الانتخابي، ولعل رقم 50 ألف ناخب الذين لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع خلال الاستحقاق الانتخابي التشريعي الأخير، مؤشر على ضعف جاذبية العرض السياسي المقدم من طرف الأحزاب السياسية للساكنة .الأمر الذي كرسته بعض المبادرات الشاردة عن سياق واقع الحال؛ كالمهرجان الذي نظم من طرف المجلس الاقليمي في زمن خاطئ وبمقاربة غير تشاركية، ولم يعبر عن لحظة احتفائية بالمنجز بالمدينة، بقدر ما حاول تزييف الوعي وتسويق صورة وردية عن واقع اقتصادي اجتماعي وثقافي متردٍّ وبئيس . في الأخير لا بد للخروج من هذه الازمة البنيوية التي تعيشها المدينة، العمل بمنهجية تستحضر التعاون بدل النزاع ، بنفس المشاركة وليس الاقصاء ، بنفس الواجب وليس الاستفادة الغير المشروعة ، ثم العمل على إدراج مدينة الخميسات ضمن دائرة المشاريع الحكومية والجهوية بعيدا عن أي منطق سياسوي ، أو تدبير سلطوي يرهن المحلي بترتيبات تحكمية في النتائج الانتخابية الوطنية، مع ضرورة أن تتحمل كل الاحزاب السياسية والنخب المحلية المثقفة؛ والتي اختارت إما الابتعاد عن ممارسة العمل السياسي، أو تغيير موقع الفعل النضالي؛ مسؤوليتها كاملة معطيات لابد من اسنادها من المجتمع المدني الحقيقي الذي احتفى به دستور 2011 عبر تمكينه من مجموعة من المقتضيات لمباشرة مهامه وأدواره الحقيقية بخلفية مواطنة . إن الهدف هو العمل على ادراج مدينة الخميسات ضمن دائرة المشاريع الحكومية والجهوية المهيكلة التي من شأنها المساهمة في استقطاب واستيطان المشاريع المنتجة للتنمية ، والتي من شأنها إتاحة فرص للشغل وتنشيط الحياة الاقتصادية. يبقى دور السلطة الاقليمية حاسما في عملية النهوض التنموي، بالنظر للدور الدستوري الذي منحت إياه في الوثيقة الدستورية لسنة 2011، أو ضمن متن القانون التنظيمي للجماعات الترابية، مع استحضار معطى تاريخي بالمدينة حيث أن أهم المبادرات المهمة بالمدينة جاءت من طرف السلطة الاقليمية وليس من طرف المجالس الجماعية، وهو ما يلقي بثقل ومسؤولية عليها في الدفع واستقطاب مشاريع استثمارية كفيلة بالتخفيف من ضغط العطالة التي تتزايد بشكل ملفت بالمدينة كل المعطيات المتوفرة حاليا تنبئ أن أفق الانفراج في التنمية المحلية بالمدينة لا يبدو قريبا. يبقى الأمل في مبادرة جماعية تلتقي فيها مختلف الارادات الخيرة من المجتمع المدني والسياسي وباحتضان من السلطة الاقليمية خصوصا من أجل الترافع على استقطاب مشاريع حكومية أو جهوية، أو طلب زيارة ملكية للمدينة من شأنها تحقيق انفراج قوي في الجانب التنموي على غرار المدن التي حضيت برعايته السامية. هذه قراءة متواضعة للمشهد التنموي بمدينة الخميسات، كتبت بنفسية قلقة على الوضع العام بالمدينة ، لكنه قلق سوي وليس مرضي حيث الوعي بأن الأزمة تستوجب علينا الترصد لها كل من موقعه، بعيدًا عن المزيدات السياسية، أو محاولة النيل من هذا الفاعل أو ذاك، أفكار تقدم من أجل تشكيل وعي جمعي ناهض، يترافع عن المدينة من أجل غدٍ أفضل، حتى نتجاوز مقولة هل مدينة الخميسات نسكنها أم هي التي تسكننا في إشارة الى التعايش مع مختلف مظاهر الهشاشة التي تنخر كل أوصال ومفاصل المدينة . بقلم يوسف بن هيبة