تزامنا مع الذكرى الثالثة لرحيل الأستاذ عبد السلام ياسين مؤسس جماعة العدل والإحسان ، نشرت وسائل الإعلام تصريحا للأستاذ عبد الصمد بلكبير ، تحدث فيه عن اللقاء الذي جمع بين الحسن الثاني وعبد السلام ياسين بجلسات الذكر والتأمل الصوفي للزاوية البوتشيشية خلال السبعينات ، حين كان عبد السلام ياسين مريدا للشيخ العباس رفقة احمد توفيق وزير الشؤون الإسلامية الحالي والفيلسوف طه عبد الرحمان … بعد هذا التصريح سرعان ما رد فتح الله ارسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان مكذبا عبد الصمد بلكبير مع ما تضمنه النفي من تسرع ودفاع بلغة المتهم ، وكأن الحكاية تتحدث عن لقاء مع الشيطان أو اتهاما بالكفر ، مع العلم أن عبد السلام ياسين رحمه الله ، أكد مرارا انه كان ينتمي إلى الزاوية البوتشيشية التي كانت تضم ، ومازالت عددا كبيرا من مسئولي دار المخزن وعلويين ومسئولين مقربين من القصر الملكي ، وكانت تحظى الزاوية برعاية ملكية كما تحظى بها اليوم ، فلا غرابة أن يحضر الحسن الثاني إحدى جلسات الذكر الصوفية للزاوية بصفته أميرا للمؤمنين … الجماعة تكذب هذا اللقاء وتروج في فروعها ، وبين مريديها لحكاية (الكوستيم) ولقاء عبد السلام ياسين مع الحسن الثاني ، حين كان مسئولا بوزارة التربية الوطنية ، حيث طلب منه الوزير المكلف بالقطاع أنداك ، أن يستعد للقاء شخصية مهمة ، وحين حضر عبد السلام ياسين لمكان اللقاء سخر الوزير من بدلته قائلا له أنت مدعو من طرف ملك البلاد ، وترتدي هذه الثياب ، واحضر له ثيابا أخرى ، قد يكون هذا اللقاء تم بالفعل ، وقد يكون مجرد حكاية من الحكايات الدعوية التي تصنع داخل مجالس الجماعة لإضفاء صفة التواضع والزهد التي كان يتميز بها الرجل قبل تأسيسه للجماعة ولتشكيل صورة سلبية عن الحسن الثاني (التكبر والتعالي ) ، قصة المقارنة هذه ترمى لعقل المريد بلغة عاطفية ، ومُبَرمجة ليأتي بعدها الحكم جاهزا في صيغة أية قرآنية أو حديث نبوي للتعليل . وهنا نسجل أن للجماعة إشكالية ازدواجية الخطاب، حيث هناك تناقض بين الخطاب الداخلي الموجه للأعضاء المريدين ، وبين الخطاب الموجه للرأي العام ووسائل الإعلام. التقى الحسن الثاني بعبد السلام ياسين ، أو لم يلتقي به ليس هذا هو المهم ، وليست هذه هي الحقيقة التي يمكنها أن تغيير شيئا ، أو تأتي بأي جديد ، المهم ان الأستاذ عبد السلام ياسين أخطا الطريق من الناحية السياسية ، لأنه لم يؤسس الجماعة بدافع لم شتات الحركة الوطنية الإسلامية التي فر زعيمها عبد الكريم مطيع بعد اغتيال عمر بن جلون ، وهذا ما ورد في كثير من الأشرطة والكتابات للأستاذ محمد البشيري احد مؤسسي الجماعة، والذي تحدث عن خيبة أمل المكون الإسلامي في مشروع ياسين ، وكيف أًستُغل هو شخصيا من طرف عبد السلام ياسين ، لتأسيس جماعة إسلامية حولها مجرد زاوية صوفية معارضة ، لا تختلف عن الجماعات الصوفية التي عرفها تاريخ المغرب ، والتي كانت تدعو للجهاد ضد السلاطين انطلاقا من الرباطات الصوفية ثم تعمل على تأسيس دولتها ، وإسقاط الدولة القائمة، منها من نجحت في تحقيق أهدافها وكونت إمبراطوريات ، ومنها من فشلت وتآكلت بفعل التناقض الداخلي وعوامل خارجية . لهذا نقول إن فكرة تأسيس الجماعة كانت فكرة خاطئة لثلاثة أسباب أولا لأنها قامت على رد فعل انتقامي شخصي من الزاوية البوتشيشية ، بعد أن صارت مشيحة الزاوية للشيخ حمزة ابن الشيخ العباس عبر وصية مكتوبة صدمت عبد السلام ياسين، لأنه أرادها أن تكون له وهو الذي كان اقرب المريدين للشيخ العباس ، فقلب الطاولة بعد ذلك وسلك طريق المواجهة مع( الراعي الرسمي) للزاوية ليختصر المسافات ، فاستطاع بفعل الاعتقالات أن يجمع حوله عددا مهما من الإسلاميين المتضررين من تفكيك الشبيبة الإسلامية . ومن ناحية ثانية لأنها تقوم على تنظير فكري لرجل واحد خطط إلى تحقيق مشروع خلافة على منهاج النبوة بشكل اتكالي مرتبط بالرؤى ولأحلام ، دونما الأخذ بالأسباب المادية ، رغم انه لا يوجد أي نص ديني محكم وقطعي الدلالة يدعو إلى تأسيس خلافة على منهاج النبوة ولان قضية الحكم في الإسلام بقيت مبهمة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلا في مسألتي الشورى في اختيار الحاكم سواء سمي خليفة أو أميرا أو ملكا لعدم وجود حكم يحرم الملك في الإسلام ، و المسالة الثانية هي مسالة الحكم الرشيد القائم على أساس العدل ، ومن باب تحديد المفاهيم ، وإزالة اللبس فمفهوم الخلافة ليس مفهوما دينيا بل هو مصطلح تاريخي بدأ مع خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى بكر رضي الله عنه ، ثم حرف إلى خليفة الله في أرضه في عهد الأمويين والعباسيين والفاطميين . السبب الثالث انعدام آليات النقد الفكري والموضوعي داخل الجماعة ، إذا استطاع وقبل عبد السلام ياسين إن يقول لا في وجه الحسن الثاني ، فقد رفض أن تتعالى اللأت في جماعته وعلى فكره المقدس ، فكانت عقوبة الطرد هي الحل وأخرها ما تعرض له الأستاذ عبد العالي مجذوب من طرف الحرس القديم حين دعا إلى تغيير الخط السياسي للجماعة .؟ قد يخشى أصحاب الأحكام الجاهزة ، و المغلفة عقولهم وقلوبهم التساؤلات و النقد ، إلا انه فلسفة قرآنية وحضارية يجب أن نفتخر بها "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي". ومما لاشك فيه أن للرجلين لقاء ثالث عند خالقهم ، أما باقة النقد هذه لا نضعها بين يدي سلفي متشدد يقسم أن هذين الرجلين سيكون مصيرهما الجحيم ولا بين يدي مريد متعصب تائه يجزم أن مرشده في الجنة والأخر في النار، ولا بين يدي جلاد خاطئ يرى العكس ، كلمتنا لا نهديها لهؤلاء الذين يحاولون إنزال محكمة الآخرة إلى دنياهم ،ونصبوا أنفسهم قضاة في محكمة الإله بل نهديها بكل اطمئنان لقوم يتفكرون .