كن غنيا في صورة الفقراء لا فقيرا في صورة الأغنياء ومرادي بالفقر ما كان فقرا دنيويا للأخذ والإعطاء لا مرادي بالفقر لله ربي ذاك فقر ما إن له من عناء ذاك عز بدون ذل وعلم فاصطبر إنه لخير بلاء وتمسك بربك الحق واقنع بالتجلي في سائر الأشياء وانفض القلب من غبار الترجي والتمني لجاههم والعلاء إنما جاههم توهم عز في هوان وشهرة في خفاء وعلاهم محض استفال وخفض واحتقار عند البصير الرائي وتحقق بما ترى يا أنا من كل شيء تحقق العلماء إن هذا مع الذي أنت فيه هو سر الجميع عند الترائي لا سواه وما السوى فيه إلا عن عمود تنوع الأفياء منعتني حقيقتي عن سواها منع صاد رأى سرابا كماء فتوقفت لا اكتراثا وعجزا إنما النور طارد الظلماء عبد الغني النابلسي هو الشاعر الدمشقي، ولد في دمشق ورحل بعد ذلك إلى العراق ثم فلسطين و مصر و لبنان و أخيرا حط الرحال في سوريا وبالأخص في مدينته دمشق التي توفي فيها، وكان يعتبر من الشعراء الكبار الذين امتازوا بنظم الشعر الديني نظرا لتفقهه ودراسته للعلوم الدينية و الأدب، وقد قام بنظم هذه القصيدة من أجل إبراز قيمة العدل و الإنصاف بين الفقير و الغني ،وعدم استغلال الغني لماله من أجل التباهي به فكلها نعم مهدات من الله الواحد الأحد وهو القادر على سلبها منه إن لم يقم بتوظيفيها وتسييرها و إسرافها بالعدل، دون نقصان أو زيادة مع التشبث بالله عز وجل و الخضوع له والتضرع إليه وحمده وشكره على النعم و الرزق الوفير الذي خصه به دون سواه فالغنى غنى القلب والتشبث بالله وليس غنى المال ،كما جاء على لسان الشاعر ،و أخص صاحب القصيدة أيضا حديته للإنسان الذي ابتلاه الله عز وجل بالفقر أن يؤمن بالقدر الذي خصه به الله عز وجل دون غيره لحكمة وغاية أرادها الله به ومن ضمنها صبره على البلاء وتجاوز محنته بالدعاء وطلب المغفرة والتواب لكي يتجاوز عنه الحي الذي لا يموت هذا البلاء، وأضاف الشاعر أيضا في هذه القصيدة الغنية بالحكم الربانية ضرورة التمسك بالقناعة فهي سبيل النجاة من داء التمني و الزيادة العمياء، فهي الجهاز الذي يضبط شهوات النفس التي لا تنقضي من مطالبها المتزايدة بتزايد ملذاتها الدنيوية فإن نجح العبد في ضبطها فاز و نجح في حياته و إن تركها تنصاع لشهوات النفس ضاع وخسر دينه ودنياه فالحكمة هنا من خلال أبيات هذه القصيدة تتجلى في قناعة كل إنسان في هذه الحياة بما قسمه الله له من رزق خصه به، سواء أكان قليلا أو كثيرا فهو مجرد متحان من الخالق لعبده كما جاء في القصيدة .