إن ممارسة الطب بالمعنى العلمي السليم لم تزدهر بأوربا إلا بعد احتكاكها بالغرب الإسلامي تحديدا ،ونستطيع القول أن هجرة العلماء المغاربة وتنقلهم بين الأقطار الأوربية واختيار ثلة منهم أوربا مكانا للإقامة الدائمة بعد هزيمة الموحدين بالأندلس ينضاف إلى ذلك ظهور حركة الترجمة بالمدارس الأوربية وانتقال الأوربيين أنفسهم إلى مدارس الغرب الإسلامي للنهل من علومها ومعارفها ، كل ذلك كان سببا في نهضة أوربا الطبية ، نعم لقد ساهم المغاربة في انتشال الغرب المسيحي من وهدة التخلف في ميدان الطب والصيدلة ففي مدرسة ساليرن الإيطالية ساهم قسطنطين الإفريقي في ازدهار علوم الطب بفضل دراسته لكتب المغاربة وعمل على ترجمة بعضها وتدريسها ومن بين تلك الكتب " زاد المسافر " لابن الجزار ، واستفادت مدرسة مونبيليه الفرنسية من نزوح المسلمين واليهود بعد هزيمة الموحدين ، وبها لمع نجم أرنو دي فيلنوف وأرمنجو بلازن وبيار دي كابستان وثلة من المستعربين الذين اهتموا بدراسة مؤلفات المغاربة والمشارقة المسلمين في الطب يقول أستروك " من الصحيح أن مونبيليه علمت ولوقت طويل الطب الإسلامي لكن في الحقيقة لم يكن لها الاختيار" ومن مونبيليه وباريس انتقل الطب إلى كل أوربا حتى إنه ليقال أن ثمانين مدرسة بأوربا في نهاية القرون الوسطى كانت تدرس الطب الإسلامي ، ومن خريجي هذه المدارس نجد روجيه باكون وتوماس الأكويني وغي دوسولياك وجمع غفير من العلماء الذين أسسوا للنهضة الأوربية . معلوم أن بلاد الأندلس قد ضمت إضافة إلى المسلمين الفاتحين أقواما آخرين من القوط والإسبان الذين انصهروا في المجتمع الإسلامي ممن أطلق عليهم اسم المسالمة وعناصر أخرى من المستعربين الذين عاشوا في كنف الدولة الإسلامية وكانوا يتقنون العربية واللاتنية ثم كان أن ظهرت عناصر أخرى أطلق عليها اسم المولدين ، وهم ثمرة الزواج المختلط بين المسلمين والإسبانيات كل أولئك سيكون لهم دور عظيم في نقل علوم الأندلس والمغرب والطب من بينها، وفي منتصف القرن العاشر الميلادي نشطت حركة الترجمة بأوربا أيما نشاط ، وهكذا فقد تم نقل كتب ابن زهر وابن طفيل والغافقي وابن البيطار والشريف الإدريسي وابن رشد فأحدثت أثرا عظيما في الطب الأوربي وتأسست مدارس للترجمة بعد ذلك كمدرسة "ريموند" بطليطلة وظهر مترجمون كبار من أمثال يوحنا بن دريد والأسقف دمينكوس غوند يسالفيني ،وستبلغ حركة الترجمة ذروتها على يد جيرارد الكريموني بطليطلة وكانت كتب التيسير والجامع لمفردات الأدوية والأغذية وعمدة الطبيب وغيرها من الكتب المغربية في الطب أهم مكونات البرنامج الدراسي في المدارس الأوربية . ولم يقتصر أثر الإشعاع المغربي في هذا العلم الجليل على أوربا فقد يمم العلماء المغاربة صوب المشرق الإسلامي أيضا وكانت لهم مساهمات هامة في في إقراء الطب ونقل الجهود العلمية المغربية فيه إلى المشرق ومن هؤلاء الأفذاذ عبد الرحمن الكرماني وأبو مروان عبد الملك بن محمد بن زهر الذي تولى رئاسة الطب ببغداد ومصر ويوسف بن أحمد بن حسداي ، والسموأل بن يهوذا وموسى بن ميمون الذي كان يطب صلاح الدين الأيوبي وجمع غفير غير هؤلاء ممن شهد لهم القاصي والداني بالفضل في صنعة الطب .