هو مرض قلة هم من يتحدثون عنه، أو يبوحون بإصابتهم به، مرض يفتك في صمت أجساد المصابين به، هو ذاك المرض الذي كان و لا يزال يمثل خطا أحمر بالنسبة للعديد من المغاربة على وجه الخصوص، لأن الحديث عنه مثل الحكم على الشخص بالموت، ليس اعتراضا على مشيئة الخالق، فكل نفس ذائقة الموت، و لكن هربا من تفكيرهم بإصابتهم بهذا المرض و عدم تمتعهم بصحتكم الكاملة كباقي الناس، إذ هناك البعض يفضل عدم تسميته، لكن هناك فئة اختارت الخروج من قوقعتها، و الكشف عن إصابتها. لا شك أن قارئ هذه الأسطر، سيكتشف من الوهلة الأولى أننا نتحدث عن المرض الذي أصبح متداولا على الألسن، و لما لا نقول مرض العصر بامتياز، إنه " السرطان". كما قلنا آنفا، قليل ممن أصيب بهذا المرض العضال ممن يكشفون للملأ عن إصابتهم به، لكن، هناك فئة خاصة منذ اكتشاف الناس مرضها ب"السرطان" أصبحت تتبعها الأعين. هنا نتحدث عن فئة المشاهير على اختلاف مشاربهم:" ممثلين صحافيين، إعلاميين، وغيرهم من الشخصيات العامة. البعض منهم قضى عليه في مراحله الأولى، و البعض الآخر تغلب عليه، بينما هناك الكثير ممن لا يزال يلازمه و يعاني من تبعاته. عدد لا يحصى من الناس أصيب بهذا المرض الخبيث، سنسلط الضوء في ملفنا الأسبوعي على بعض الأشخاص الذين غيبهم " السرطان"، و الذين لا يزالون يعانون منه. مرض النجوم: حل مرض السرطان أو كما يعرف بالمرض الخبيث على الكثير من المشاهير كضيف ثقيل حتى أضحى معروفا لدى الكثيرين بمرض النجوم. من النجوم و المشاهير من قاوم و قهر، و منهم من استسلم لليأس حتى أنهى هذا المرض الخبيث حياتهم، فيما لا يزال البعض مصابا به يصارع الحياة. فلمرض السرطان كغيره من الأمراض روايات و حكايات، و مراكز علاجية سطرها بعض النجوم في حياتهم، و قبل رحيلهم علها تزرع الأمل داخل المصابين به، و لعل تجربتهم الناجحة في قهر المرض يبقى عبرة لمن استسلم للموت و لم يجد سوى لليأس سبيل. فنانين غيبهم السرطان: للسرطان مع الفنانين حكايات، إذ لا تمر سنة أو سنتان حتى يضيف إلى لائحة ضحاياه اسما جديدا، كثيرة هي الأسماء التي أزيلت من قائمة الفنانين و خفت نجمها بسبب هذا المرض، و يتذكر محبي زينب السمايكي و عائشة مناف كيف غيب السرطان هذه الوجوه، حيث رحلت الفنانة زينب السمايكي إلى دار البقاء عن عمر 65 عاماً بعد صراع مع المرض الذي لم يمهلها طويلاً ، و قد عرف المغاربة الفنانة زينب من خلال أدوارها الكوميدية والدرامية على شاشة رمضان بصفة خاصة، من بينها دورها في مسلسل "زينة الحياة" و "ياك حنا جيران" و غيره من السلسلات، فضلا عن مجموعة من الأعمال التي تألقت فيها كثيرا، إلى جانب إبداعها المسرح الذي عشقته منذ طفولتها. هذا في الوقت الذي رحلت فيه الفنانة المغربية عائشة مناف عن الساحة الفنية التي ألف فيها الجميع صورتها و أدوارها التي تجسد الواقع المعاش. إذ غادرت إلى دار البقاء و هي في عقدها الثالث بعد صراع مع المرض"الخبيث" سنة 2010 الذي لم تكتشفه إلا و هو في مراحله الأخيرة. ولدت عائشة مناف في مدينة الدارالبيضاء عام 1978 ، و قدمت عدة أعمال مغربية خاصة في التلفزيون مثل سلسلة "رمانة و برطال" و "حديدان"، وبعض الأعمال المسرحية، قبل أن تكتشف إصابتها بالسرطان في مرحلة متقدمة في عظم الفخذ، و الذي ألحق أضرارا على مستوى الأوعية و الأعصاب العميقة، بسبب تلقيها العلاج بشكل متأخر، و ذلك بسبب ضعف أحوال أسرتها المادية، التي حالت دون دخولها المستشفى حينما كان المرض في بدايته. عائشة الشنا: رغم المعاناة مازالت تتعايش مع السرطان هم كثيرون ممن لا يزالون يقاومون "السرطان"، راضين بقضاء الله، متضرعين إليه بالدعوات من أجل شفائهم، هم كثيرون، لكن اخترنا شخصية معروفة بتفانيها في عملها، محبوبة لدى الصغار، هي عائشة الشنا. هي الأم التي كرست حياتها لتربية أطفال متخلى عنهم، حيث عوضتهم حنان الأم و الأب، و حاولت و لا تزال تحاول ما في جهدها لكي تحقق لهم مبتغاهم، لكي لا ينحرفوا و يبقوا في الشوارع تتقاذفهم الأيدي و تشتمهم الألسن، عائشة الشنا الجمعوية المغربية التي ناضلت في سبيل منح الفقراء، و بالأخص النساء اللائي لم يجدن من يدافع عن حقوقهن المهضومة بريقا من الأمل، حتى ظهرت الشنا الأم التي رسمت البسمة على كل من أُغلقت في وجها جميع الأبواب. عائشة الشنا التي شقت طريقها في العمل الجمعوي، ناضلت و لا تزال تناضل في سبيل الدفاع عن حقوق القاصرات، و منح الأمومة لمن حرم منها، أصابها مرض مثل أي مرض، إلا أن مرضها من الأمراض التي يستحيل علاجها إلا بقدرة الواحد الأحد و بالعزيمة، هو مرض السرطان الذي أصابها في مسيرتها الجمعوية، غير أن ذلك لم يشكل لها عائقا أمام عملها. بقلب منشرح و نفس راضية أجابتنا الشنا في حوار مع " نون بريس" عن كيفية اكتشاف إصابتها بمرض السرطان:" أصبت بمرض السرطان كما يصاب به جميع الناس، و كانت أولى علامات مرضي عبارة عن حمى "السخانة". لكن لكثرة تعايشها مع الوضع الحالي، تحفظت عن الإجابة عن تفاصيل مرضها لأسبابها الخاصة مكتفية بقولها:" أنا في يد الله، كل نهار كنعيشو كنقول الحمد لله رب العالمين"، و عن سؤالنا هل يشكل لها هذا المرض أي عوائق على مستوى العمل، و هل تماثلت للشفاء، أجابت:" أنا لا زلت أتعايش معه، و أذهب إلى عملي بشكل عادي، و لا أدري هل شفيت أم لا لأنني لا أحاول معرفة تفاصيل أكثر". هذا ما استطاعت الشنا البوح به ل"نون بريس" لأنها تعودت على مرضها، و لم يعد يشكل لها أدنى فرق ما دامت تزاول عملها الجمعوي، و تعيش كل نهار على حدة. هي الشنا بيضاوية الأصل ولدت سنة 1941، كافحت في سبيل العمل النضالي، حيث قامت سنة 1985 بتأسيس جمعية "التضامن النسائي" بحي النخيل بالبيضاء، و هي مؤسسة تخول التعليم المجاني للنزيلات و تعمل على إعادة إدماجهن في الحياة العملية، كما تتكفل الجمعية بالأطفال في حضانة جماعية و تحاول أن توفر لهن فرص تأمين وسائل عيشهن و انخراطهن في العمل المهني، و تقديم المساعدة القانونية والاقتصادية والنفسية لهن و للأطفال المتخلى عنهم. معاناة حقيقية و نفسية محطمة: وجوه شاحبة، مائلة إلى الصفرة، أجساد هامدة، عيون ترقب هنا و هناك، الدماغ لا يكف عن التفكير في سبيل للعلاج، هذا حال مرضى "السرطان" في مختلف المستشفيات، خاصة مستشفى "ابن رشد" بالدارالبيضاء، حيث يأتي إليه الناس من مختلف المناطق المغربية بحثا عن علاج يشفيهم من مرضهم الذي حطم نفسيتهم و أفلس جيوبهم نظرا لتكاليفه الغالية. يقصد المرضى المستشفى و بالضبط الجناح المخصص ل" العلاج بالأشعة" أملا في التخلص من ألمهم، عبر حصص طبية ينصح بتتبعها من طرف الطبيب لكي يستطيع الشخص التماثل للشفاء. لكن، على الرغم من وجود الدواء إلا أن هناك حالات عديدة لا تزال تعاني من تبعات هذا المرض نظرا لكثرة المصاريف التي تثقل كاهنهم. فاطمة في عقدها الرابع من شدة مرضها لا تكاد تسمع لها صوتا، فهي تفضل الصمت على كثرة الكلام لأن من شأن ذلك أن يدهور صحتها، لكنها، اختارت فتح قلبها ل"نون بريس"، و قالت أنها تعاني كثيرا من هذا المرض، خاصة أثناء العلاج بالأشعة الذي يحدث لها ألما كثيرا، كما قالت:" أنا لا أريد التكلم عن تفاصيل مرضي، فنفسيتي تعبت من شدة ذلك، خاصة و أننا نعيش في مجتمع يعتبر "السرطان" مثل الطاعون الذي يذهب أرواح الناس، لحد الآن أنا لا أستطيع إخبار كل من أعرف أنني مريضة بهذا المرض، لأنني إن فعلت ذلك، فإني أحكم علي بالموت قبل أن يقتلني المرض". و عن دور عائلتها و نوع المساعدة التي تتلقاها منهم أجابت فاطمة:" لا أنكر فضل عائلتي، فلولاهم لما كنت جالسة الآن على هذا المقعد أنتظر دوري، لكن هذا الشيء هو ما يحز في نفسي، فأنا لا أريد أن أشغل بال أحد أو أجبر شخصا ما عن التصرف معي جيدا لكوني مريضة، بالعكس عائلتي و بعض صديقاتي ساندنني، لكن مع ذلك فأنا أحس أن كل ما يفعلونه كواجب تجاهي لا غير، بحيث أحس أنهم يعتبرونني مثل الفيروس الذي يهدد حياتهم ما داموا بجانبي، و هذا ما يزيد من معاناتي و يحز في نفسي، لكن الحمد لله على كل شيء فهو من بيده شفائي دون حاجتي للآخرين". أما خديجة الشابة التي لا زالت تعيش حرقة فقدان والدها بهذا المرض، لم تكف عن البكاء لحظة سماع اسم "السرطان"، لكونه كان سببا في فقدانها والدها و هو في 40 من عمره. تحكي خديجة أن أمها و أخواتها صدمن عندما علمن أن الأب أصيب بالمرض الخبيث بعد إجرائه عملية جراحية لاستئصال" المرارة"، فأثناء العملية انتقل المرض إلى الكبد و أخذ ينتشر شيئا فشيئا، فعلى الرغم من أنه كان يعالج كيميائيا و بتكاليف باهظة، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا حيث نخر المرض كبده كليا، حتى أتى على حياته في غضون سنة. +++++++++++++++++++++++ هي حكايات تختلف من شخص إلى آخر، إلا نهايتها قليلا ما تكون سعيدة، فالبعض تنتهي عنده بمجرد بدايتها، و البعض الآخر تصل إلى المنتصف و تظهر العقدة التي تحول دونما نهاية. الكثير من الأشخاص لا يحبون الكشف عن إصابتهم بهذا المرض، و يعتبرونه خطا أحمر، حيث يبقى الأمل في قدرة الخالق العلاج المنتظر.