ما زلت أذكر كتاب «أحجار على رقعة الشطرنج» حينما قرأته وأنا في نهاية المرحلة الإعدادية وكنت كمن يقرأ عن العالم السفلي الذي يحكم العالم، ثم قرأت بعده على مدار العمر عشرات الكتب التي تتحدث عن مجموعات سرية تتحكم في مصير العالم من خلال مواقع النفوذ والامكانات المختلفة التي تتوفر تحت يديها ولعل الحركة الماسونية وكل ما يتفرع عنها كانت تمثل أهم هذه المجموعات التي كتب عنها لكن بقيت هناك تجمعات سرية ربما تكون أقوى وأكثر تأثيرا لم يعرف عنها أحد شيئا حتى جاء عالم الانترنت والتسريبات التي فضحت كثيرا من هذه المجموعات ومشروعاتها وأعضاءها، وكان من بين أقوى هذه التجمعات نادي «بيلدربرغ» السري الذي يوصف بأنه «الدولة العميقة للعالم» وقد تابع مراسل القدس العربي حسين مجدوبي الاجتماع الأخير الذي عقد الخميس الماضي في مدينة دريسدن الألمانية واستمر حتى مساء الأحد، وحضره لفيف من صناع القرار في مؤسسات العالم المختلفة حيث يضم النادي نخبة من كبار السياسيين ورجال المال والأعمال والمفكرين الاستراتيجيين وأساتذة الجامعات الذين يشاركون في صناعة القادة العالميين، وقد كان النادي الذي أسس في العام 1954 سريا ولا يعلم أحد عن أعضائه أو اجتماعاته شيئا حتى جاء عصر النت والمعلومات، فكشف كثير من أسراره حتى موعد اجتماعاته ومكان اجتماعه وحتى الذين يحضرون والقضايا التي تطرح، وحتى نعرف تركيبة النادي فلنا أن نتخيل أن هنري كيسنجر اشهر وزير خارجية أميركي في القرن الماضي وأحد المؤثرين في صناعة القرار العالمي هو أحد الحضور وكذلك وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دي ليين التي تعتبر المرأة الحديدية التي تقف وراء المستشارة ميركل، ومن أبرز الحضور ايضا رؤساء مؤسسات مالية وشركات تأمين وبنوك وملوك ورؤساء مثل ملكة إسبانيا وملك هولندا ومديرة صندوق النقد الدولي ورئيس مجموعة «جوجل»، ويقوم النادي سنويا بدعوة عدد من الشخصيات لسماع رأيها في بعض القضايا المطروحة للنقاش مثل قضية الاندماج والهجرة التي هي إحدى القضايا المطروحة هذا العام، وقد دعا النادي هذا العام كلا من أحمد بوطالب رئيس بلدية روتردام من أصل مغربي وياسمينة أخرباش وهي مغربية أيضا تقلدت مناصب سياسية في بلجيكا، وبعد النقاشات المختلفة يصدر النادي توصيات عادة ما تكون سرية وغير مكتوبة يتم تسريبها للحكومات وللشركات التي تتحكم في القرار الدولي وكذلك النخبة الاعلامية والأكاديمية التي تنتمي للنادي أو تنفذ أفكاره، والنادي ليس وحده الذي يبحث ويقرر مصير العالم كما يزعم القائمون عليه، فحجم الجماعات السرية حتى الأقدم من هذا النادي كبير وكل منها يدير جانبا وفق المعطيات والامكانات التي تحت يديه لكن الكون في النهاية يسيره الخالق سبحانه وفق سنن من يأخذ بالأسباب ومن أخذ بالأسباب مكن الله له حتى لو كان كافرا إلا أن يشاء الله.