اقترب التعديل الجيني لتصحيح الحمض النووي المشوه في الأجنة البشرية خطوة ليصبح حقيقة واقعة، حيث أظهر العلماء أنه من الممكن تصحيح المشاكل الوراثية في الفئران قبل ولادتها. وبحسب الخبر الذي نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، قام الباحثون باستخدام شكل من أشكال أداة تحرير الجينات Crispr-Cas9 لإدخال طفرة في جين من شأنه أن يتسبب في فشل كبد ميت في الفئران. في الوقت الذي تبين فيه سابقا أن هذه التقنية يمكنها أن تعمل في الفئران فقط بعد الولادة، لكن الدراسة الأخيرة أظهرت أنه من الممكن أيضا إجراء التغيير الكلي المهم قبل ولادتهم. في الوقت نفسه أكد العلماء أنه سيكون هناك بعض الوقت قبل أن تكون هذه التقنية جاهزة للاستخدام مع البشر. وقال الدكتور “وليام بيرانتو” الجراح في مستشفى فيلادلفيا للأطفال وأحد المشاركين بالدراسة: “هذه دراسة تثبت نظرية سابقة عن هذا الأمر، وهناك الكثير من الدراسات في نماذج الفئران، بالإضافة إلى نماذج حيوانية كبيرة يجب القيام بها قبل التفكير في القيام بذلك سريريا على البشر”. وتابع: “حتى إذا تم تطبيق هذا النهج في نهاية المطاف على البشر، فإنه لن يستخدم لغالبية الاضطرابات الوراثية، وإنما يمكن استخدامه فقط في الأمراض التي تسبب اعتلالا قويا، أو وفيات بشكل كبير قبل الولادة أو بعدها بوقت قصير، التي لا يوجد علاج جيد لها في الوقت الحالي”. من جهتها أوضحت أخصائية الهندسة الوراثية، فاطمة عناية بأن “هذه التقنية أو النهج الطبي موجود سابقا، ولكن كنظرية ولم يتم تطبيقها بعد على الإنسان سواء البالغ أو حين يكون جنينا”. وتابعت عناية في حديث ل”عربي”: “حتى نستطيع تطبيق هذه التقنية على الإنسان نحتاج لأبحاث متقدمة، وحتى إن نجحت سنبدأ بتطبيقها على الأمراض الوراثية ذات الجين الواحد، حيث إن علاج الأمراض المتعلقة بأكثر من مسبب جيني وبيئي، صعب التحقيق حتى الآن ويحتاج لوقت وجهد كبيرين”. وأكدت أن الأمراض التي قد يتسبب بها أكثر من جين أو عوامل في البيئة المحيطة بالإنسان، من الصعب حلها أو علاجها الآن. ونشر فريق من العلماء في الولاياتالمتحدة بحثا في مجلة العلوم، أوضحوا فيه كيف أجروا سلسلة من التجارب لاستكشاف استخدام تحرير الجينات في أجنة الفئران باستخدام شكل معدل من تقنية Crispr. وأشاروا إلى أنه يمكن تغيير “أزواج قاعدة” مفردة -الجزيئات اللذين يتشكلان لتكوين درجات اللولب المزدوج للحمض النووي DNA DNA DNA – ولكنهما يقطعان فقط سلسلة من الحمض النووي DNA عند إجراء تغيير. وخلصوا إلى أنها من الناحية النظرية أكثر أمانا وتجنب الكثير من المخاوف التي أثيرت مؤخرا حول تقنية Crispr القياسية”. وبعد أن تبين أنه من الممكن إجراء تغيير في مكان معين في الحمض النووي لخلايا الكبد في أجنة الفئران، ركز الفريق على حالة تعرف باسم نوع التيروزين الوراثي 1، وهو مرض وراثي يمنع الجسم من تكسير أمينو. حمض يسمى التيروزين كما ينبغي، ويمكن أن يسبب الموت إذا تركت دون علاج. وقال “بيرانتو”: “يبلغ عدد حالات الإصابة بين البشر حوالي 1 في 100.000″، مضيفا أنه على الرغم من توفر الأدوية لهذه الحالة الخاصة، إلا أن أمراض الكبد الأخرى يمكن علاجها إذا نجحت هذه التقنية الجديدة على البشر”. وأخذ الفريق فئرانا لديها طفرة جينية أنتجت بدورها حالة مشابهة لهرمون التيروزين الدم الوراثي من النوع 1 ولدت بها مع الأمهات بقيت على دواء يسمى nitisione. ثم حقن الفريق 26 من الأجنة بفيروس يحمل تعليمات جينية لجعل أداة تحرير الجينات، و 27 منهم يحملون الفيروس نفسه، ولكن دون معلومات عن الأداة. وبعد الولادة لم تعد فئران الرضع تحتاج لعلاج، وراقب الفريق ما حدث. ورحب روبن لوفل بادج رئيس قسم علم أحياء الخلايا الجذعية وعلم الوراثة التنموي في معهد فرانسيس كريك في لندن بالدراسة. وقال: “هذه تجارب مهمة تثبت مبدأ أن أمراض الكبد الموروثة جينيا يمكن تجنبها عن طريق تصحيح العيب، قبل أن تؤدي تأثيرات الطفرة إلى إضعاف وظائف الكبد لدى الأطفال حديثي الولادة”. وأضاف “أنه من المهم أن يتم العلاج قبل أن يكون جهاز المناعة ناضجا بما يكفي للتعرف على الفيروسات المستخدمة كأجسام غريبة، وهذا يعني أنه لا يعمل على منعها”. وتابع مستدركا بالقول: “لكن ينبغي التأكيد أن هذه الدراسة أجريت باستخدام الفئران، وأن ترجمة أي نهج للعلاج الجيني للأجنة البشرية سيشكل تحديات كبيرة”. يُذكر أن عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي “جوشيا زاينر” كان قد استخدم في وقت سابق من هذا العام تقنية Crispr مما ساعده بتعديل حمضه النووي “جيناته”، وذلك بعد إزالة البروتين الذي يثبط نمو العضلات. وسعى هذا العالم من هذا التعديل الحصول على قوة خارقة عبر استمرار نمو عضلاته للحجم الذي يرغب به.