قال المحلل السياسي، بلال التليدي، تخوض السعودية هذه الأيام مخاضا قيصريا في مجال التحديث الثقافي، لا يمكن توقع مستقبله ولا الاتجاهات التي يمكن أن يأخذها، ولا يمكن اليقين بقدرة السلطة السياسية على تدبير التوترات التي يمكن أن تنشأ من جراء التحكم في مختلف الفاعلين، وإجبارهم على مسايرة الرهانات الثقافية التي تحاول الدولة حمل المجتمع عليها. و أضاف التليدي في مقال له نشر على القدس العربي، في السابق، كان هناك قدر من الذكاء في تنزيل نظرية التحديث من فوق، إذ عمدت السلطة السياسية احتراما منها للمؤسسة الدينية ولهيمنة التيار المحافظ في المجتمع والطبيعة القبلية والعشائرية السائدة إلى تشجيع شبكات تلفزيونية وقنوات فضائية، كان محور اشتغالها على الاختراق الناعم للمجتمع السعودي، وتفكيك بنية المحافظة فيه، وخلق جمهور واسع ينافس جمهور المؤسسة الدينية في السعودية، ولم تكن السلطة في حاجة مطلقا إلى توظيف المؤسسة الدينية، ولا إقحام النص الديني في معركة التحديث الثقافي. وتابع المتحدث، بل على العكس من ذلك، قامت برعاية الازدواجية الثقافية والقيمية الناشئة في المجتمع، مع استمرار سياستها في تمكين السلطة الدينية من السيطرة على المظهر العام الخارجي، فكانت قنوات MBC وروتانا وغيرها من القنوات الواسعة الانتشار في السعودية، تشتغل بقوة موازية لقوة الفقيه والمفتي، لكن دون أن تتورط الدولة يوما في دعوة المؤسسة الدينية إلى التخلي عن قناعاتها الفقهية والدينية. و أوضح المصدر ذاته، المفارقة اليوم، أن الدولة دخلت هذا المعترك بنفسها، وتدير معركة التحديث الثقافي من فوق، وتوظف المؤسسة الدينية، وتخرجها من دورها المعهود، وتريد منها أن تكون مسايرة تماما للدور الذي كانت تقوم به قنوات MBC، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن التحول داخل المؤسسة الدينية ينبغي أن يأخذ مداه في الزمن، وينبغي أن يكون ثمرة تجديد واجتهاد ديني تراكمي، وأن القهر الفوقي للمؤسسة الدينية، وتوظيفها في مثل هذه المعارك يمكن أن تكون له ردات فعل خطيرة وغير متحكم فيها. وتابع التليدي بالقول، شيء متفهم أن يستشعر القادة اليوم أن بلدهم متأخرة جدا في مجال التحديث الثقافي، وأن العالم العربي كله يعج بالمسارح وقاعات السينما والمهرجانات ومراكز الأوبرا، في حين تحرم السعودية كل ذلك، وتعتبره مصدرا للاختلاط والفتنة والفسق. وشيء متفهم أيضا أن تستشرف القيادة رؤية أخرى لسعودية الغد، لكن، التحولات في المجتمع، خاصة ما يرتبط منها بالثقافة، وإن كان للدولة دور في مواكبتها وتيسير شروطها، إنما تتم في سياق دينامية مجتمعية تراكمية، تنهض قوى المجتمع بتحمل تبعاتها، وتنخرط في عملية مدافعة ثقافية ممتدة في الزمن من أجل حسمها، بل حتى المؤسسة الدينية، إذا كانت ممانعة للتحولات أو معيقة لها، فالرهان على تحديثها شرط سابق عن التماس دورها في التحديث الثقافي.