محمد نوفل عامر مع اقتراب الموعد السنوي الذي يقدم خلاله الأمين العام للأمم المتحدة تقريره السنوي حول قضية الصحراء المغربية، والذي يليه قرار أممي صادر عن مجلس الأمن الدولي حول الصحراء، تسعى الجزائر وصنيعتها البوليساريو دائما إلى افتعال الأزمات والقلاقيل محاولة منهم للتأثير على هذا القرار الأممي وكسب مساحات دبلوماسية، خصوصا بعد الصفعات المتتالية التي تعرضت لها كل من الجزائر والبوليساريو على المستويين الدبلوماسي والسياسي من طرف المغرب الذي بدأ يجتاح المعاقل التاريخية لدبلوماسية حلف وارسو التي تعود إلى حقبة ما قبل سقوط جدار برلين. فبعد العودة الميمونة للمغرب لأسرته المؤسساتية الإفريقية "الاتحاد الإفريقي"، وبعد المسار الدبلوماسي المتميز للمغرب بأمريكا الوسطى والكرييب وأمريكا اللاتينية من خلال تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع عدد من بلدان المنطقة وفتح قنوات جديدة مع بلدان أخرى كانت في الأمس القريب بلدان حليفة للجزائر ككوبا التي تجمعها اليوم علاقات دبلوماسية تسير بخطى حثيثة نحو التطور، والتي كانت في وقت سابق عمق دبلوماسي جزائري ورثته عن فترة الحرب الباردة، فلم يعد أمام الجزائر وصنيعتها غير سياسة تصدير الأزمة وافتعال الأزمات الوهمية. فبعد واقعة الكركرات السنة الماضية، وخلق التظاهرات بين الفينة والأخرى لبعض الافراد المعدودين على رؤوس الأصابع بمدينة العيون وتسويقها بالخارج كإحتجاجات، والذين يطلق عليهم إعلاميا ببوليساريو الداخل المعروفين بعلاقتهم المشبوهة مع أجهزة الاستخبارات الجزائرية، اليوم قصة أخرى تنضاف للقائمة وهي محاولة البوليساريو استفزاز المغرب والمنتظم الدولي من خلال نشر مليشياتها بالأراضي العازلة، والتي تحاول تصريفها كأكاذيب جديدة على أنها أراضي محررة في حين ان الامر لا يعدو ان يكون أراضي عازلة تم إقرارها في اتفاقية مدريد لوقف اطلاق النار. فهذا الاجراء المستفز لميلشيات البوليساريو يخفي وراءه كما هائلا من الإشكالات التي تعاني منها البوليساريو ومعها النظام الجزائري، فداخليا تطفو إلى السطح محاولة النظام الجزائري السعي إلى إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة، ضدا على النداءات الوطنية المطالبة بإعفاءه نظرا لوضعه الصحي المتدهور، فالرجل عاجز عن أداء مهامه تماما، لكنه يعد صورة ظاهرية تخفي وراءها نظاما عسكريا متغولا، مستبدا ومتوحشا، يحاول تجاوز تداعيات الربيع الديمقراطي والالتفاف على الإرادة الحرة للشعب الجزائري الطواق الى إقرار الديمقراطية واستثمار أمواله المكدسة من عائدات الغاز والبترول، في مشاريع تنموية تعود بالنفع على الشعب الجزائري قاطبة والذي يعد شعبا فقيرا يعيش فوق بحر من الغاز والبترول، بدل استثمار هذه الاموال في صفقات الأسلحة والعتاد المشبوهة لشراء صمت دول عظمى أو تبييض أموالها في مشاريع تعود بالنفع على كبار جنرالات الجزائر بعوائد مالية كبيرة وضخمة أو من خلال توظيف هذه الأموال في شراء دمم قيادات سياسية بالعالم لكسب التأييد للموقف الجزائري الذي بات يحصد الهزائم المتتالية رغم أموال البيترو دولار السخية. ويعمل النظام الجزائري كذلك، على محاولة تصريف الأزمة لتفادي الامتداد الشعبي الذي حظيت به المعارضة الجزائرية، فالنظام يتذكر حجم الأصوات التي حصل عليها مرشح الرئاسة السابقة علي بنفليس في الانتخابات الرئاسية السابقة، والتي بلغت مليوني صوت، رغم التزوير، كما يحاول النظام تجاوز سلسلة الفضائح التي قدمتها المعارضة الجزائرية والتي فضحت بالملموس فساد جنرالات الجيش الجزائريين الذين يستغلون خيرات الجزائر دون حسيب أو رقيب يساعدهم في ذلك واجهاتهم السياسية من أحزاب كرطونية وسياسيين متنفذين يروجون خطابات العداء للمغرب كأساليب متجاوزة لتغطية الواقع الجزائري المتأزم. ثانيا تسعى هذه المنورات المشبوهة كذلك الى طمس الدعوات والأصوات المتعالية من مخيمات التندوف، والتي تطالب بإيجاد حل عاجل وشامل لمعاناة ساكنة المخيمات التي ملت من خطابات الدغدغة والاحادية السياسية والفاشيسم والواقع القبلي الإقصائي الذي يعد واقعا يوميا مريرا ينضاف الى سلسلة المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها الساكنة، والتي لو سمح لها بالمغادرة لكانت كلها موجودة فوق تراب وطنها بالمغرب. لذلك لم تستطع البوليساريو سحب وإلغاء العمل بالبرميسيون، الذي يقيد حركة المحتجزين، رغم كون هذا الاجراء يعد منافيا للشرائع الدولية، التي تقر بحرية السير والحركة والجولان، كما تحاول هذه الإجراءات الاجهاز على الأصوات المعارضة من داخل الجبهة والتي فضحت كل أشكال الفساد الذي تعيشها الجبهة وقيادتها، من خلال بيع المساعدات والعمل في التهريب بمختلف انواعه بما فيها التهريب والاتجار في البشر، والتي أكدتها التقارير الدولية بما فيها تقارير الاتحاد الأوروبي وتقارير الأممالمتحدة، ينضاف إلى ذلك المساهمة المهمة والكبيرة للجبهة في نشر الإرهاب بمنطقة الساحل من خلال تواجد عناصرها ضمن المجموعات الإرهابية أو من خلال بيعهم للأسلحة لهذه الجماعات. ولم تكن واقعة الكركرات كنموذج إلا محاولة يائسة لتغطية كل الجرائم التي تقوم بها الجبهة بالمنطقة، لذلك فهذه المنورات المكشوفة اليوم، تحتاج الى رد سريع وحازم من الدبلوماسية الرسمية ومن الحكومة المغربية بشكل خاص والشعب المغربي وفعالياته بشكل عام، كيف لا وقضية الصحراء قضية اجماع وطني لا نحتاج فيها لتذكير تاريخي ولا لتحديد جغرافي ولا لرابط ثقافي أو اثنوغرافي ولا لمحدد قائم على الشرعية القانونية لان الصحراء في مغربها والمغرب في صحراءه. فعلينا اليوم أولا وقبل كل شيء العمل على إعداد الحكومة لرد سياسي قوي من خلال تحريك الدبلوماسية الرسمية صوب العواصم الكبرى وتجنيد الحلفاء، ومحاولة استصدار قرار أممي يدين استفزازات البوليساريو التي تحاول تعطيل المسار الاممي لإيجاد حل عاجل وشامل، ويعمل هذا القرار على إدانة الجزائر وصنيعتها وإصدار عقوبات في حقهما، لكون الجزائر ورغم تهربها الدائم من كونها طرف في الملف لكنها فعليا وعمليا هي المحرك الواضح للجبهة وهي المعطل لإيجاد أي حل لكون إيجاد الحلول للملف هو لا يخدم مصلحة المتنفذين بقصر المرادية. ثانيا التأكيد على أن خيار الحرب مازال قائما، وأن الشعب المغربي قاطبة مستعد للدفاع عن كامل أراضيه وترابه، فلن يمل ولن يكل في الدفاع عن وطنه، وهي خصال دأب الشعب المغربي على إبرازها من خلال تاريخ حافل ومشرف لمناهضة كل قوى الغطرسة والتكبر عبر التاريخ، التي لم تستطيع تركيع الشعب المغربي، وضرب عزيمته المناهضة لكل أشكال الاستبداد والتجبر. ثالثا على الدبلوماسية الموازية أن تشتغل اليوم بشكل فاعل، من خلال تحرك حزبي على ثلاثة واجهات، واجهة العلاقات الحزبية الدولية من خلال علاقات الثنائية بين الأحزاب المغربية والأحزاب السياسية الكبرى بمختلف البلدان والعواصم العالمية الأساسية أو عبر نافذة الأمميات الحزبية، كواجهة أساسية للدبلوماسية الحزبية كأممية الأحزاب الاشتراكية، وأممية أحزاب الوسط وأممية الأحزاب الليبرالية. كما تعد الواجهة البرلمانية مهمة، من خلال مجموعات الصداقات البرلمانية المتواجدة بالبرلمان المغربي بغرفتيه، والتي ترتبط بعدد كبير من البلدان والتي عليها اليوم ان تشتغل بتوازي مع الدبلوماسية الرسمية التي تحظى باحترام وتقدير دوليين، للمكانة المهمة التي يحظى بها المغرب على المستويين الدولي والإقليمي والاحترام الخاص الذي يحظى به جلالة الملك محمد السادس (نصره الله وأيده) بمختلف دول المعمور، لدوره الفاعل لإحلال السلم والأمن والتنمية بالعالم. ولا يمكن أن نستثني العمل الكبير الذي يجب أن تلعبه المنظمات الشبابية الحزبية، والتي تعمل جنبا الى جنب مع شبيبة الأحزاب الكبرى الاشتراكية منها والليبرالي وأحزاب الوسط الاجتماعي، والتي عليها اليوم ان تجري اتصالاتها مع هذه الشبيبات الحزبية نظرا للموقع الذي تحتله داخل أحزابها من أجل التأثير في القرار السياسي لهذه البلدان، ودعم الدبلوماسية الحزبية، إضافة إلى كون عدد كبير من الشبيبات الحزبية المغربية اليوم تعتبر عناصر فاعلة داخل مؤسسات دولية وإقليمية شبابية وطلابية ذات وزن مهم على الساحة الدولية. وتقوية لدور المجتمع المدني والمواطنين عموما في قضية الصحراء، باعتبار أن الجميع معني بهذا الملف، فعلى جميع المؤسسات والتنظيمات المدنية التي تشتغل على هذا الملف أن تعمل على ربط الاتصال بالتنظيمات المدنية الدولية المؤثرة في صناعة القرار الدولي، من أجل طلب دعمها لقضية الصحراء، كما أن على الجمعيات المغربية النشيطة توجيه رسائل مباشرة الى الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص توضح وجهة نظر الشعب المغربي وتبين أن قضية الصحراء ليس قضية حكومة أو مؤسسات بل قضية شعب ووجود، ونفس الأمر بالنسبة لمختلف المواطنين والمواطنات. لكن بالمقابل من كل ذلك نحتاج إلى مواكبة إعلامية مهمة للقضية، بعيدة عن المواكبة الموسمية أو الظرفية من خلال إحداث مواقع الكترونية مختصة، وبودكاسطات توضيحية وإعلامية لمختلف الفئات بجميع اللغات، إضافة إلى تمكين شامل عبر أكاديميات مدنية لفائدة مختلف فئات المجتمع لتملك المعارف حول القضية بشكل قوي وإجرائي بعيدا عن المقاربة التاريخية المعتمدة اليوم، وتوضح نقط ضعف الأطروحة الجزائرية وصنيعتها، التي تعد أطروحة قابلة للدحض، بما لها من نواقص على مختلف المستويات سواء في إطارها القانوني أو السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وتبرز نقط قوة الطرح المغربي الذي يتملك إضافة إلى الشرعية التاريخية حول الملف، شرعيات ومشروعيات أخرى في مختلف الأبعاد القانونية والمؤسساتية والسوسيوثقافية، فالصحراء جزء من تاريخ شعب، وحاضر أمة، ومستقبل وطن، يتحدى كل العقبات سعيا نحو بناء مغرب ديمقراطي حداثي.