شكل التعليم على مر العصور الحلقة التي الأساسية في تطور الشعوب وتأهيلها للعب دور الريادة، غير أن هذه الحلقة- التعليم- تختلف من مجتمع إلى أخر و أحيانا داخل المجتمع المغربي، فرحل المخرب عموما وامحاميد الغزلان على الخصوص التي تعيش وضعا اقتصاديا مختلفا عن الذي تعيشه مختلف مناطق المغرب، أولا لوقوعها في أقصى الجنوب الشرقي وثانيا لأنها أصبحت عامل جدب للسياحة العالمية، الأمر الذي يجعل أبناء المنطقة أمام محك تعلم اللغات من أجل التواصل مع زوار المنطقة من مختلف أنحاء العالم، ناهيك عن محدودية العرض المقدم على المستوى الرسمي للمنطقة. التعليم و الرحل بالمغرب شكل الترحال في ذاكرة الإنسان بالصحراء، ثقافة امتلكت ذاته فكرا وممارسةً، يتجلى ذلك في مقوله وأمثاله وأشعاره، و بمثابة مرآة للمجتمع الذي انبعث من مخيلته، ويرتبط به ارتباطاً عضوياً، وقديما جسدت المدارس المتنقلة أو ما يعرف محليا ب"المحضرة" نفس السؤال نقلناه إلى بعض ساكنة امحاميد الغزلان الذين أكدوا أنه أمام غياب كلاء الماشية و أمام قساوة الطبيعة يصعب أحيانا الاستقرار في مكان واحد مما يعني أن الاعتماد أصبح أكثر على المحضرة أو في أحيان كثيرة الانقطاع عن الدراسة لمواجهة تحديات الحياة وتقلباتها. و أوضح الباحث عبد الله باعلي ل"نون بريس"، أن طبيعة هذا المجتمع غير المرتبط بالأرض بقدر ارتباطه بالزمان، أفرزت خصائص ثقافية تتعلق بحياة الترحال داخل هذا الوسط، فكان لازماً على هذا المجتمع أن يلبي كل احتياجاته، وفي ظل اهتماماته الدينية والعلمية، كان من الضروري عليه أن يبتكر وسيلة لتعليم أبنائه ونقل المعرفة بين صفوفه، عبر سيلة تلاءم طبيعته المتنقلة تمثلت في المحضرة ذلك الجهاز المرن الذي يرافق أهل الصحراء في الحل والارتحال. وتابع الباحث، أنه في هذا السياق ظهرت المحضرة كمدرسة تحت الخيام تلبي رغبات الرحل المعرفية وتروي عطشهم العلمي، حيث يعد المحصر من أهم ما يميز حياة الرحل في الجنوب وهو يعبر عن انعدام الأمن، كما يشكل تجمعا بشريا يفوق 50 خيمة والغالب فيه أنه يحصل في فترات الخصب ووفرة كلأ الماشية، الشيء الذي يغنيهم عن الترحال الدائم والتفرقة ما بين أعضاء العرش الواحد، وعليه يمكن القول إن الجفاف يؤدي إلى تشتيت القبيلة وأعضاء العرش الواحد في اتجاه ترحال عائلي، مشيرا أن "والتجمع في شكل محصر وحلة يحدث إبان مناسبات مؤقتة أي في فترة الحرب، في "زمن الخوف" الذي يحتم تجمع القبيلة لتفادي الهجمات وتنظيم الدفاع." دينامية القبيلة الصحراوية. "نون بريس" وفي محاولة لسبر أغوار انتقلت إلى حواري ودروب امحاميد الغزلان في محاولة لمعرفة أراء المواطنين ودوافع الانقطاع عن الدراسة مقابل الاهتمام بتعلم اللغات الأجنبية، أكد بكار طفل دو العشرين سنة من عمره أن سبب انقطاعه عن الدراسة يعود إلى عدم توفره على الإمكانيات الكافية للدراسة مقابل رغبته في دخول غمار الإرشاد السياحي بحكم أن المنطقة تشكل منطقة جدب للسياح من مختلف دول العالم. المؤسسات التعليمية ب"امحاميد الغزلان" تحتوي منطقة امحاميد على إعدادية واحدة وثانوية واحدة حاولنا الوصول إلى معلومات دقيقة حول عدد التلاميذ بها غير أن زيارتنا صادفت أيام عطلة، غير أن أحد الرحل قدم لنا معطيات تقريبية حول عدد التلاميذ بالمؤسستين، مشيرا أن العدد لا يعدو أن يكون سوى عددا قليل بحكم توجه أبناء المنطقة إلى مهنة الإرشاد السياحي. و أمام هذه المشاكل يضاف أيضا مشكلة أخر متعلق وحصص الدعم المدرسي، تناقض صارخ كما وصفه باعلي أن هناك فئة غنية ولا تقوم بتدريس أبنائها وفئة فقيرة لا تتوفر على الإمكانات المناسبة والتي تؤهلها لتدريس أبنائها، وهو الأمر الذي يعيق تمدرس الأبناء، ناهيك عن غياب الوعي بأهمية التمدرس, واقترح الباحث أنه أمام فشل المدارس الجماعتية تقديم بدائل حقيقة لإيلاء أهمية بالتعليم وتقديم مساعدات عينية لللعائلات من أجل ضمان حق العائلات في التعليم، أو على الأقل البحث عن مخطط يستهدف أبناء الرحل وساكنة المجال الرعوي، من أجل انقاد هذه الفئة من الهذر المدرسي و إشكالاته. الرحل والمدرسة العصرية أكد باعلي في حديثه ل"نون بريس" أن القبائل الرحلية منذ مطلع الاستقلال وبناء الدولة الوطنية في المغارب، شهدت تحولات في نسقها التنظيمي والعلائقي بفعل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة والسريعة والمفاجئة التي فرضت ذاتها على المجتمع والقبيلة و أنتجت أساليب عيش وتنوعاً في الحاجيات وزيادة في التطلعات، مضيفا فإذا كان"التطور من البداوة إلى الحضارة ومن الخشونة إلى الترف حتميا، فإن هناك عوامل عديدة سرعت من وثيرة انهيار مجتمعات الرحل، بل إن ذلك راجع إلى "توافر بعض قوى اجتماعية أو طبيعية أومزيج بين الإثنين، دون أن يكون للإنسان دخل في معظم الأحوال في ذلك" إن توالي سنوات الجفاف وزحف الرمال وانتشار الأوبئة منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي، وظروف التوتر السياسي والعسكري بالجنوب المغربي، كلها عوامل ساهمت في انهيار مجتمعات الرحل ونزوح معظم القبائل الطاعنة في الترحال للاستقرار في المدن والمداشر. في غياب معطيات عن تمدرس الرحل أكد لنا باعلي، أن عدد الرحل بلغ حوالي 63 بالمائة مقارنة بإحصاء 2004، وقد بلغ عدد الرحل في 2014 حوالي 25.274 بعدد 4044 أسرة معيشية ما تزال تمارس وبذلك انهار مجتمع الرحل وأصبحنا نتحدث عن عائلات ترتحل مع قطعانها بعدما كنا نتحدث عن قبائل متحركة بقوتها المادية والرمزية، كما أصبحت مجالات الترحال محصورة في ظل حدود الدولة الوطنية، وبالتالي أضحت مناطق الانتجاع معروفة تقريباً، فقد سجلت إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط والإحصاء التراجع الذي يعرفه نمط عيش الترحال، إذ سجلت في إحصاء 2014 تراجع نسبة الرحل في المملكة الترحال، وهو الأمر الذي يجعل تعاطي أبناء الرحل مع التعليم في تدبدب مستمر.