في خطوة استفزازية للمغرب، وعلى بُعد أيام من انعقاد مجلس الأمن الدولي بخصوص قضية الصحراء المغربية شهر أبريل المقبل، أعلنت جبهة البوليساريو عزمها نقل ما تسميه بوزارة دفاعها إلى بئر الحلو في المنطقة العازلة. وهو ما يطرح التساؤل حول المغزى من هذه الخطوة التي تريد الجبهة الانفصالية الإقدام عليها. أحمد نور الدين، الخبير في شؤون الصحراء، أكد أن هذه الخطوة تأتي على بعد موعدين مهمين، حيث يتمثل الموعد الأول في يوم 21 مارس والذي سيحيط فيه المبعوث الأممي للصحراء المغربية، هورست كوهلر، مجلس الأمن الدولي بتحركاته في الشهرين أو ثلاثة الأشهر الأخيرة والتي تضمنت لقاءات: برلين وبروكسيل، وأديس أبابا، وكغالي، ثم لقاء لشبونة بالوفد المغربي، وهي مقدمة للتقرير الذي سيحيله على الأمين العام للأمم المتحدة والذي سيعرضه بدوره على مجلس الأمن في الموعد الثاني وهو أبريل المقبل. وعن تحركات الجبهة الانفصالية، قال نور الدين في تصريح ل"نون بريس"، إنها تبتغي تحقيق ثلاثة أهداف، حيث يخدم أولها البروباغندا الانفصالية حول وجود ما يسمى ب"الأراضي المحررة" شرق الجدار الأمني، "لأنه منذ سنوات أصبحت الجزائر والجبهة الانفصالية تروج لهذه المادة الإعلامية"، والأراضي "المحررة" المزعومة شرق الجدار هي "الأراضي التي تدخل في إطار المنطقة العازلة التي تركها المغرب طواعية وليس بموجب اتفاق وقف إطلاق النار منذ 1987 بغرض ملاحقة فلول الانفصاليين الذين كانوا يهاجمون الأراضي المغربية، إذ كانت ساعتها خطوة موفقة تكتيكيا من الناحية العسكرية، ولكن مع الأسف لم ينتبه الدبلوماسيون المغاربة عشية توقيع اتفاق 1991 لخطورة وجود هذه المنطقة، إذ كان عليهم قبل التوقيع على الاتفاق أن يعيدوا بسط النفوذ العسكري المغربي على هذه المنطقة حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم وهذا خطأ دبلوماسي". أما الهدف الثاني الذي قد يريده الانفصاليون من التصريح باستقبالهم للمبعوث الأممي وبعثة المينورسو، وإعلان نقل تواجدهم إلى هذه المنطقة سواء في بئر الحلو أو تفارتين أو الكركرات أو غيرها، يضيف الخبير في شؤون الصحراء، فهو هدف استراتيجي، "لأنه لا يجب أن ننسى أنه لتجاوز عائق القانون الدولي للاعتراف بالكيان الوهمي (عائق غياب السيادة على الأرض)، يجب أن يكون هناك ثلاث مقومات أساسية للاعتراف بأي دولة معينة والتي تتمثل في "السيادة على الأرض، والشعب، ثم الدولة أو الحكومة أو غيرها من المؤسسات التي تمارس السيادة على الشعب و الأرض". وأهم هذه المقومات، يؤكد نور الدين، هو عدم وجود السيادة على الأرض وهو المقوم الذي يفتقد إليه الكيان الوهمي المعلن في تندوف من قبل الجزائر، "وهو العائق الذي يحاولون الوصول إليه من خلال ترسيخ وجود "الأراضي المحررة" المزعومة، وهو ما تحقق لهم بالفعل على الأقل إعلامياً حيث أصبحت القنوات الفضائية بما فيها الفرنسية تكرس وجود هذا المصطلح على الرغم من أن فرنسا هي أقرب الدول إلى الموقف المغربي وأكثرها مساندة له، ناهيك عن تقارير مجلس الأمن التي تتحدث على استحياء عن وجود أراضي غرب الجدار وأراضي "شرق الجدار"، وهذه الأخيرة إشارة واضحة للأراضي التي تحت سيطرة الانفصاليين رغم أنها منافية لنص اتفاق 1991، يضيف الخبير في شؤون الصحراء. وشدد نور الدين على أن الهدف الاستراتيجي هو "إيجاد عنصر السيادة على الأرض الذي سيكون بدون شك مقدمة لانتزاع اعتراف بعض الدول الأوروبية التي تحترم نفسها وتحترم القانون الدولي، وهنا الخطر الماحق الذي يتهدد السيادة المغربية ويتهدد بالخصوص الدبلوماسية المغربية". وفيما يخص الهدف الثالث، فهو وإن لم يتبلور بشكل واضح إلى الآن، يوضح الخبير، إلا أن "هناك احتمالاً لوجود خطة جزائرية للتخلص من عبء استضافة جمهورية تندوف فوق الأراضي التي هي تحت الإدارة الجزائرية (تندوف)، ومن ثَمّ خلق أمر واقع جديد على الأرض من خلال نقل المخيمات أو الجزء الأكبر منها من تندوف إلى أراضي المنطقة العازلة، وبذلك ستضرب الجزائر عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول وهو إزالة تهمة احتضان المشروع الانفصالي أو محاولة تأكيد المزاعم الجزائرية بأن الجزائر تلتزم الحياد المزعوم، والعصفور الثاني هو الوقاية من أي مشروع قد يدخل تندوف كأرض بديلة للمشروع الانفصالي في معادلة لإيجاد حل في المنطقة". وبالحديث عن هذه الأهداف يبقى أهمها هو الهدف الثاني، يعني إيجاد الجزائر والانفصاليين عنصر السيادة على الأرض، وبالتالي فهذا يعتبر، بحسب نور الدين" إدانة صريحة لوزارة الخارجية المغربية لأنه إخلال واضح بالواجب الدبلوماسي، إذ سبق وأن حذرنا من هذا السيناريو منذ ما لا يقل عن خمس سنوات، علما أن التحركات الانفصالية في المنطقة العازلة ليست وليدة اليوم، وبعد تحذيراتنا المستمرة بدأت وزارة الخارجية على استحياء تندد بهذه الممارسات، في وقت طالبنا فيه الوزارة بأن تطالب بإخلاء هذه المنطقة نهائيا وإعادة الأمور كما كانت عليه عشية التوقيع على اتفاق 1991 ( لم يكن لحظتها أي عنصر انفصالي يدنس هذه المنطقة لا من المدنيين ولا من الميلشيات المسلحة)؛ وهو الأمر الذي يجب أن يكون على رأس جدول الأعمال في أي مشاورات مع المبعوث الأممي أو مع الأمين العام للأمم المتحدة". وأكد الخبير في شؤون الصحراء، أنه حينما "نطالب اليوم بإخلاء هذه المنطقة فإننا نطالب اعتبارا للبنود الواردة في اتفاق 1991، وإذا لم تستجب الأممالمتحدة بإخلاء هذه المنطقة من المدنيين والميلشيات المسلحة، فإن ذلك يعتبر بمثابة بطلان لهذا الاتفاق وبإمكان المغرب من الناحية القانونية بأن يتحلل منه، وفي حال تم ذلك فمعناه مطالبة المينورسو بإخلاء الصحراء المغربية وإخراج الملف من مجلس الأمن كما سبق أن صرّح بذلك السيد كوفي أنان سنة 2004، ومن ثمّ إعادة الملف إلى الجمعية العامة والعودة إلى نقطة الصفر، وهذا لن يكون إلا في صالح المغرب نظرا لما وصلت إليه الأوضاع اليوم من خلال الانتكاسات التي تشهدها الدبلوماسية المغربية على أكثر من صعيد وآخرها المحكمة الأوربية". ودق أحمد نور الدين، ناقوس الخطر في قضية الأراضي خلف الجدار، داعيا الأممالمتحدة بأن تتحمل مسؤوليتها بضغط من وزارة الخارجية المغربية، فإمّا إخلاء المدنيين والمليشيات المسلحة من المنطقة العازلة، وإما أن يتم الإعلان عن نهاية الاتفاق بسبب الانفصاليين وبسبب الجزائر والمطالبة بانسحاب المينورسو من هذه المنطقة، عدا ذلك، يضيف الخبير" سنكون أمام تنازلات خطيرة ستنضاف إلى تنازلات ما وقع في القمة الأوروبية-الإفريقية وما وقع في القمة العربية-الإفريقية في مالابو 2016 وغيرها من التنازلات التي لا تبشر بخير في التدبير التكنوقراطي لهذا الملف السياسي بامتياز".