بعد سنوات من الفراق، تجدد لقائي بالآنسة ”شمعة”، فقد اضطرني عطب كهربائي مفاجئ بالمنزل إلى الكتابة على ضوئها والاستنارة بنورها الخافث، مادام ليس هنالك بديل عنها لأجلس قربها، فنسيت ما أود كتابته، سرحت وتهت أفكر، وجعلتني أتذكر آلاف الأسر الفقيرة التي يرافقها الشمع في كل أيامها، في سرائها وضرائها، ينير أفراحها وأتراحها وأعيادها، طبعا ليس على قالب الحلوى للتزيين، بل قسرا يضيئون بها لأن منازلهم لم يصلها بعد التيار الكهربائي. تذكرت دور الصفيح، وتذكرت أناسا لهم منازل، أو أكواخ وملاجئ -إن صح التعبير- لم تربط بشبكة الماء والكهرباء، ولا بقنوات الصرف الصحي، وكأنها خارج التغطية، وهذا في عز الحديث عن العهد الجديد، القضاء على ظاهرة السكن العشوائي، الإصلاحات، مدن بلا صفيح، السكن للجميع، وهلم جر، شعارات براقة. وبالحديث عن السكن، وعلى بعد كيلوميترات قليلة من مدينة أكادير، في كل من أورير، الحي المحمدي أغروض، أنزا، …….. وهي أحياء انتشر فيها البناء كالنار في الهشيم في الأشهر القليلة الماضية، أثناء الحراك الشعبي، غضت السلطات الطرف وأطلقت العنان للناس يبنون، ويشيدون بلا رخص ولا وثائق تقنن حركاتهم، فأصبحنا نرى أحياءا بالكامل تنشأ ليلا، شاحنات لنقل مواد البناء تجول المدينة ذهابا وإيابا بلا رقيب ولا عتيد، وبعد انقضاء المهلة أو الإستراحة على حد تعبير أحد المسؤولين، أتت الجرافات لتضع حدا لظاهرة ”البناء الغير القانوني” تلك، فانطلقت حملة مسعورة قادها رجال وأعوان السلطة المحلية، مرفوقين بقوات الأمن و”الردع” بكل تلاوينها، فجرفت آلات الهدم منازل بالكامل بأثاثها وتجهيزاتها، وحولتها إلى ركام في لمح البصر، فصار السؤال المطروح هو “لماذا غضت السلطات الطرف عن ظاهرة البناء العشوائي وتركت الناس ينفقون ما أدخروه لعقود لتأتي عليه بين ليلة وضحاها؟. على بعد أمتار من حملة البناء والهدم، إنتصبت عاليا لافتات ”العمران” ولوحاتها الإشهارية، تزينها عبارة ”السكن للجميع … الحق في السكن … الحق في السعادة”، توقفت عند هذه العبارة أتساءل وأتعجب، ”السكن والسعادة”، من له الحق لينعم بذلك؟، غني من مترفي البلد له فيلات تنتشر عبر تراب المملكة وشقق فاخرة في كل حدب وصوب؟، أم فقير ليس له مأوى ولا ملجأ، أو تراه يلتحف سقف غرفة صغيرة رفقة العشرات من أفراد أسرته؟، هذا طبعا دون الحديث عن مالك القصور في البر والبحر، والذي لا تكاد تخلو مدينة بالمغرب من أحد قصوره، بل في الدارالبيضاء وحدها ستة قصور، ملك الفقراء. إنها المغرب، بلد المفارقات بامتياز. للتواصل مع الكاتب: [email protected]