تشن السلطات حربا بلا هوادة على البناء العشوائي الذي تنامى في الآونة الأخيرة بشكل كبير في عدد من المدن، حيث لاحظنا آلات الهدم تدك عددا من المنازل المكتملة البناء كما تتبعنا المواجهات التي حصلت بين رجال السلطة والمواطنين المعنيين بهذه الظاهرة بعدد من المناطق. يمكن التمييز بين نوعين من السكن العشوائي: الأول يهم إقامة بنايات ثانوية على مناطق غير مرخصة من قبل فئات ميسورة، وهذا الشق لا يهمنا في هذا التحليل والثاني يتعلق بالأسر الفقيرة والمحدودة الدخل التي تشيد مأوى لها بشكل غير مرخص. أعتقد أن المقاربة المعتمدة في التعاطي مع الظاهرة تحتاج لقراءة متأنية. أولا لابد من التنبيه إلى أن السكن اصبح حقا دستوريا وهو معطى جديد يستدعي تنزيلا عمليا له في القريب المنظور. من جهة ثانية تدل الدينامية المتسارعة للبناء العشوائي على أن نظام إنتاج السكن الحالي لا يزال يعتريه خلل كبير. فهو نظام لم يستطع مواكبة هذه الرغبة الجانحة لتملك السكن خصوصا لدى الفئات الفقيرة والمحدودة الدخل التي لا يمكنها ولوج سوق السكن القانوني لأن دخلها لا يسمح لها بذلك، علما بأن أمر ولوج السكن أصبح مطروحا حتى بالنسبة لشرائح الأجور المتوسطة. فما يصطلح علية بالسكن الاجتماعي لا يمكن اقتناؤه إلا من قبل من يفوق دخله الشهري الستة آلاف درهم. وهو ما يعني بلغة الأرقام التي تشرف على إنتاجها المندوبية السامية للتخطيط أن شرائح اجتماعية واسعة من الأسر تبقى مقصية من السكن الاجتماعي الحالي الذي أصبح عمليا سكنا موجها للطبقات الوسطى. وفي غياب البديل تبقى البراكة والسكن العشوائي هي الحلول المتاحة عمليا للأسر الفقيرة والمحدودة الدخل. تاريخيا تعاملت الدولة بذكاء مع الظاهرة خلال كل الفترات السابقة، وهو ما ضمن استقرارا على هذه الجبهة حتى خلالالمراحل التي ضعفت فيها الاستثمارات الاجتماعية. ففي غياب البديل كان مسموحا للأسر بتشييد والاستقرار في مساكن عشوائية إلى حين أن تتم برمجة مشاريع لإعادة الإيواء. وهو ما مكن من جهة من ضمان سكن انتقالي لفائدة الأسر ولو مرحليا وضمان استقرار اجتماعي وأمني لفائدة الدولة، علما بأن هذه الأخيرة كانت تعرف أن الظاهرة في شكلها المستقر أفضل من أن تتحول إلى أشكال أخرى يصعب ضبطها. وهو الأمر الذي تعرفه دول أخرى حيث ظاهرة الأسر بدون مأوى ثابت تصل إلى مستويات مقلقة مع ما للظاهرة من انعكاسات اجتماعية وأمنية لا حصر لها. اليوم يتم التعامل مع ظاهرة البناء العشوائي وكأن البديل موجود في السوق وما على الأسر الفقيرة والمحدودة الدخل إلا الأخذ به. إن انفجار البناء العشوائي يؤكد على أن هناك خللا كبيرا في سياسة السكن الاجتماعي، وأن عملية الضبط والمراقبة الشديدة على الظاهرة خلال المراحل السابقة لم تعمل إلا على تعميق حجم الأزمة التي أصبحت كالبركان الخامد الذي يتحين الفرصة للانفجار. لا يجب أن ننسى أن لظاهرة البناء العشوائي أبعادا اقتصادية واجتماعية وقانونية وأمنية يجب أخذها بعين الاعتبار عند كل مقاربة. فعملية الهدم الأخيرة أفقدت الاقتصاد ملايير الدراهم التي دكتها الجرافات وجعلت أسرا بدون مأوى وخلقت احتقانا اجتماعيا، والنتيجة النهائية تبقى غير واضحة. فمن هي يا ترى الجهة المستفيدة من هذا الوضع ومن هي المتضررة منه؟ الإجابة ليست سهلة بالنسبة لملف السكن الذي يشكل إحدى ركائز عقد التعايش في أي بلد كان. أعتقد أن كل الدول المعنية بالظاهرة لم تتعامل بهذا المنطق خصوصا في هذا المجال الحساس، ففي بلدان كالصين والهند وتركيا والبرازيل وإيران التي تعرف مدنها نسبة كبيرة للسكن العشوائي تفوق بكثير ما تعرفه مدننا، يتم التعامل مع الظاهرة بحذر كبير، بل هناك تعايش مستمر لأن هناك أولويات اقتصادية أخرى في ظل محدودية إمكانيات التدخل. الخلاصة أن هذا المجال يهيمن عليه للأسف المنطق المركزي في غياب تام للمجتمع المدني ودور واضح للجماعة المحلية، أما الحلول والمقاربات فهي كثيرة ومتنوعة. باحث في مجال السكن