شد انتباهي مرة أحد البرامج الوثائقية يتناول موضوعا رياضيا -منحته بعض اهتمامي على غير عادتي- كان بالتحديد عن الملاكمة، ما شدني إليه إلا التحدث عن كيفية تكوين البطل والإعداد المبرمج والتخطيط المنظم وفق رؤية واضحة تصل به نحو الهدف المقصود. وما نيل المطالب بالتمني **** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
فبعدما يتم تدريب البطل، و تكوين بنيته بنية قوية متينة تبعث الاطمئنان، و بعدما يكتسب جميع التقنيات الضرورية للملاكمة، من خفة في الحركة، وانحناءات واهتزازات، وكذا قدرته على تصويب الضربات لمناطق محددة من الجسم، بعد هذا كله يقوم المدرب بقياس قوة اللكمات التي باستطاعة الملاكم أن يقوم بها على مجسم رجل آلي، يتم ذلك وسط هتافات وتشجيعات فريق التدريب، ثم ما يلبث أن يؤتى له بشخص يستخف به ويغضبه ويذكره بجولات خسرها أمام الخصم فيزداد حنقا ويشتد غضبه و يصل به الحد إلى التشنج ثم البكاء الشديد، وتصدر منه زفرات تصحبها لكمات شديدة و قوية أكثر من السابق، كل هذا الشحن و الدفع من أجل أن يزداد شراسة وحدة، ثم ما يلبث أن يؤتى له بطبيب يقوم بحقنه بإبر مقوية تعمل على إفراز هرمون تزيد من طاقته و شدته، وهكذا يبقى تحت عناية ومراقبة الطبيب إلى أن يأتي فريق التدريب للقيام بعدة تجارب للاطمئنان عليه وسط تشجيعات وتصفيقات الحضور. هالني حجم هذا الإعداد.. صحت يا الله.. كل هذا من أجل كسب جولة من الجولات أو للفوز بمرتبة من المراتب الرياضية فقط؟ ، تساءلت حينها، كل هذا عن البدن، فماذا عن النفس؟، إن أهم ما في الإنسان نفسه وروحه، وما الجسد إلا قوام وشكل ومظهر، ومن قبل قيل: يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته ***** أتطلب الربح مما فيه خسران أقبل على النفس واستكمل فضائلها ***** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان فهل نعطي بعضا من هذا الإعداد لأنفسنا؟، هل ننظمها هذا التنظيم؟ هل نبرمجها برمجة إيجابية ونعمل على تطويرها وإصلاحها؟، أم أننا نتركها ينفذ إليها الحسن والقبيح؟، ونرضى بإذلالها وإخضاعها وقتل بوادر الخير والإصلاح فيها، فتصير شخصياتنا سلبية منهزمة ضعيفة أو فاسدة فاجرة، فهل لها من غير الصلاح والتزكية إلا الفساد والتدسية؟، “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها”، صدق الله العظيم. إنها رسالة الإنسان في الحياة “قد أفلح من زكاها”، فلا تكون التزكية إلا حالا من التعهد الدائم للنفس ورعايتها وصيانتها بين الحين والحين، لئلا تستوطنها نكت الران السوداء كما أخبر بذلك طبيب النفوس صلى الله عليه وسلم، وإن النفس الإنسانية – كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله- تحتاج بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن نعيد النظر فيما أصابها من غنم أو غرم، وأن نرجع إليها توازنها و اعتدالها كلما رجتها الأزمات، وهزها العراك الدائب على ظهر الأرض في تلك الدنيا المائجة . إذن فما أجمل إن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين و الحين، و أن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها، وأن يرسم السياسات القصيرة المدى و الطويلة المدى، ليتخلص من هذه الهنات التي تزري بها، إن رمضان فرصة سانحة للرقي بالنفس ومعالجة أدوائها، ذلك أنه مدرسة الثلاثين يوما كما يحلو لصادق الرافعي أن يسمه، بل أنه أشبه ما يكون بدواء من ثلاثين حبة لعلاج النفس والثورة عليها. فاعدوا لها ما استطعتم لعلكم تتقون أياما معدودات