أن تكون مواطنا صالحا في البلاد العربية يعني الكثير..فلعبة “القدر” يستجيب لها العبد والسيد الشرطي واللص الظالم والمظلوم وحتى المدين والدائن، هي شيء بات يورث جيلا عن جيل حتى أضحى شرطا من شروط ما يسمى ” بالهوية العربية”، فطالما سرقت أبناك تجارية كبرى واغتصب أطفال صغار وهددت أسر بأكملها وصفع عمدة القرية من طرف مسؤوله” المحترم” وأكلت أيام تدريس التلاميذ بشهادات طبية وإضرابات لا تنتهي...ومع هذا كله بات الجميع على قناعة راسخة أن “هاد شي لي كتب الله” ولا تسألوني عن دور الجمعيات الحقوقية والنقابات المستقلة الم يكن الدفاع عن المتضررين وحفظ حقوقهم المشروعة؟ لكن الحقيقة أنه في البلاد العربية توزع كمامات خاصة بالمواطن العربي يرتدها لا تجنبا من “وباء أنفلونزا الخنازير” ولكن وقاية من الكلام المحضور “عنداك تخسر لهدرا” وعلى حد قول الشاعر أحمد مطر من ديوانه “أعرف الحب ولكن”: ” قل الشعر لتبقى سالما لكي يعطيك واليك فما أصبح الوالي هو الكحال فأبشر بالعمى”. ولكي نكون أكثر واقعية، ففي المغرب مثلا تحمل المواطن المغربي بيتا من الزنك أو القزدير لأزيد من 52 سنة أي منذ أن ودع الأراضي المغربية المحتل الفرنسي-الأسباني علما أن السكن اللائق ليس ضرورة حتمية فحسب بل هو حاجة ماسة تخدم شوارعنا من مظاهر الفساد الاجتماعي وتعطينا دفعة ايجابية فيما يخص مؤشر التنمية المستدامة. وإن نظرنا سريعا لقطاع التعليم كحالة استثنائية لا يحسد المغرب عليها فان أبناءه من التلامذة والأساتذة كان لهم “الشرف العظيم” عندما صعقوا بنبأ إحصائيات 2008 الدولية والتي احتل المغرب فيها المرتبة الأخيرة بعد الصومال الكئيب وفلسطين الجريحة والعراق النازف ...وكم نتعجب عندما تطالعنا نشرات الأخبار والاقتصاد وحتى أحوال الطقس والجو بالقناتين الأولى والثانية بتصريحات شبه يومية لوزارة التربية والتعليم حيث تؤكد هذه الأخيرة أن الدولة المغربية تخصص أزيد من 25% من ميزانيتها لهذا القطاع البئيس. بيد أن التلميذ المغربي وهو يزاول طقوس الدراسة بشيء بات يتوارث جيلا عن جيل كالتعاويذ الصوفية تماما، يحسب نفسه في زريبة بهائم عوض قسم دراسي تربوي ولعل الحقيقة هو أن الدولة تحسب حسابا آخر فهي تعتبر نفسها مسؤولة أمام “قانون العدالة” بأن توفر لمواطنيها مقعدا دراسيا ومقعدا انتخابيا وآخر في « Studio 2M » وكذا في « Mawazine » ليغدو هذا المواطن “صالحا” ولكن على إيقاعاتها السرية. إنه من المضحك جدا أن نتحدث عن “دولة الحق والقانون” وحقوق مواطنيها مهدورة بالجملة وكأنهم يتحدثون عن حقوق شعب يقطن بإحدى كواكب اللبانة ...ولا تتعجب إن همس لك أحدهم بالازدحام السكاني الذي وصلنا إليه وعيناك لا تريان شيئا فالواقع أن سكان المنطقة يستقرون بالمحاكم و”الكوميساريات” و” شركات رضال” طوابير طوابير... فهل عليك أن تحتج من تحت الماء كما قال أحدهم؟ وهل عليك أن ترضى بسكن غير لائق، تعليم غير لائق، معيشة وصحة وهوية الكل غير لائق لأنه في البلاد العربية لم يعد يسمح باللائق لتكون مواطنا صالحا؟؟ وهل مقياس الصلاح رهين بمدى تطبيق معادلة “عش حرا تأكلك الذئاب”؟؟ أم أنه يراعي خصوصيات الهوية العربية التي تتغير بتغير الأقنعة الحاكمة؟؟ إلى متى سيظل مبدأ “الركوع للقانون المستبد” يمسح جبين كرامة المواطن العربي ؟؟ لكن ألم يكن المستبد نفسه في يوم من الأيام مواطنا صالحا يمارس عليه ما يمارس على بقية العباد والنتيجة أن يمارس في العباد ما مورس عليه؟؟ أولم يكن الأجدر به أن ينظر بعين الشفقة إلى المظلومين والمنكوبين والضعفاء ويغير “قانون الاستبداد”؟ أم أن قداسة القانون وجبروته تدوس حقوق الجميع؟؟