“مبادرتي ولدت معي منذ الصغر، عندما وقفت في احتفالات عيد العرش أمام 30 ألف متفرج، حيث كسرت من على المنصة حاجز الخجل في داخلي. أذكر بأنني كنت أعاني من تخبط مستمر في داخلي، وماذا أريد أن أكون؟” يقول انوار والذي ولد ونشأ في قرية البيضاء-ضاحية عين الله بالقرب من مدينة فاس، تنقل في العديد من المجالات المجتمعية المختلفة حيث وجد نفسه في العمل الجمعوي أبان التحاقه في جمعية الفتح القروية والتي ما لبث أن أصبح رئيساً لهذه الجمعية حين كان عمره آنذاك سبعة عشر ربيعاً، وبالرغم من تعقيد الإجراءات الرسمية لإنشاء الجمعيات الأهلية في المغرب وبحكم قروية المنطقة على عكس هذه الأيام، إلا أن الجمعية كانت تباشر أعمالها وأنشطتها حيث كانت تقوم بتعليم الأهالي الخياطة والحرف اليدوية، إلى أن قدم أنوار استقالته من رئاسة الجمعية بعد عامين. أعتمد أنوار على نفسه منذ بداية حياته خاصة وانه من عائلة ذات إمكانيات محدودة، وكان يرتبط بتنظيم نشاطات على المستوى الوطني، ومن هناك بدأت مظاهر ولعه بالصحافة والإعلام تتشكل، يقول أنوار “أذكر بأنني عندما كنت على مقاعد الدراسة في مرحلة البكالوريا، كتبت العديد من المقالات التي تتناول قضايا الفساد كالكوكايين والتحرش الجنسي، وكتبت في عدة مواضيع ساخنة، حيث تم فصلي من المدرسة على خلفية نشرها”. كما كان آنذاك منظماً لمجموعة من الاحزاب السياسية في المغرب مما عزز ذلك وجود أنصار له في القرية مكنه من الترشح ليكون أصغر رئيس حزب في المنطقة إلا انه تعرض لعراقيل في يوم الإقتراع، وانتهى الإقتراع.. وذهب حلمه بأن يكون أصغر رئيس حزب أدراج الرياح، فترك أنوار العمل السياسي منذ ذلك الحين. وعندما أنهى البكالوريا تقدم للإلتحاق بنادي الصحافة، لكن طلبه رفض على الفور، فاضطر للتسجيل في كلية الحقوق – قانون عام. إلا أنه واصل تحقيق حلمه في عالم الصحافة وباشر العمل في جريدة كواليس كمندوب صحفي لتغطية الفعاليات التي تدور في المنطقة، ونظراً لأنه من منطقة قروية ومن أسرة محدودة الدخل تقدم بطلب منحة دراسية وبالرغم من أن كافة الشروط المستوفاة تنطبق على حالته إلا أن منحته الدراسية رفضت!! لم يأل انوار جاهداً للمطالبة بحقه في المنحة إلان أن جميع المحاولات باءت بالفشل إلى أن تمكن ذات يوم من لقاء وزير التعليم العالي، حيث ذهب لتغطية ندوة في مدينة فاس واتيحيت له الفرصة بالتحدث مع وزير التعليم مباشرة، وحصل منه على موعد، وكانت هي المرة الاولى التي يستقبل فيها وزير التعليم العالي طالباً في مكتبه الخاص. وبعدما أطلع الوزير على كافة الأوراق، صرخ بأن هذا لا يجوز وانه لن يسمح بهذه الممارسات بحق الطلبة، ووقع له على المنحة بعد مرور عامين على رفضها. وخرج انوار يرقص فرحاً من مكتبه، وحلم وحيد يترآى أمام ناظريه، كان حلم “فاس تايمز”. رئيس التحرير نفسه هو الصحفي الوحيد، مندوب الاخبار والموزع! “فاس تايمز” تصدر متى يشاء الله قرر أنوار استخدام المبلغ الذي عاد عليّه فجأة من المنحة في إصدار جريدته الخاصة، يقول أنوار “أذكر بأنني قمت أولاً بإرسال والدتي في رحلة سياحية إلى مراكش..!! ثم قمت بشراء مكتب جديد وجهاز حاسوب وأستخدمت باقي المبلغ في تمويل الجريدة”. إصدار جريدة لم يكن بالامر السهل خاصة وأن انوار نفسه هو رئيس التحرير، الصحفي الوحيد، مندوب الاخبار، والموزع! ناهيك عن التحديات المتعلقة في الطباعة والإخراج بالإضافة إلى الجهد والوقت اللازمين لإصدار جريدة، خاصة وأنه كان ما يزال على مقاعد الدراسة الجامعية، لكن رغبة انوار في النجاح والتحدي كانت أكبر في سبيل إصدار “فاس تايمز” التي كان يوزعها بنفسه على المكتبات والأشكاك، مكتبة تلو أخرى، فيما يستسلم بعدها لنوم عميق في محطات القطار! “فاس تايمز” والمعنونة ب ” تصدر متى يشاء الله” خلفت ردود افعال متباينة بين مؤيد ومعارض واهتمام طلابي وجمعوي وشبابي ، العدد الأول تم طباعة 3000 نسخة ونفدت الكمية بسرعة، ثم تم طباعة 3000 نسخة كطبعة ثانية. وبعد ذلك بات عدد النسخ يتضاعف شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى 5000 نسخة، جميع النسخ كانت تباع، ومن ثمنها كان يتم طباعة الأعداد التي تليها وهكذا، ومع قلة الموارد المالية رفض أنوار جميع اشكال التمويل المشروط. بعد ذلك بدأت فاس تايمز تعرف جيداً وينتظرون صدورها وقام عدد من الصحافيين والطلبة في فاس بالإلتحاق في صفوف المتعاونين والمراسلين والتقنيين المتطوعين للعمل عليها. تجربة فاس تايمز كانت المعلم الأول لأنوار لكحل وكان لها دور كبير في تشكيل شخصيته، إلا انها قد خلقت شخصاً فردياً في العمل يقول أنوار “عملي لوحدي جعلني شخصاً يعمل بفردية تامة، إلا أن السفر والتعرض لتجارب الآخرين كان له الأثر الكبير للتخلص من هذه السلبيات التي تعرضت لها”. إذ كان أنوار يشعر أنه بحاجة لتوسيع مداركه وبحاجة للإطلاع على تجارب الشباب الآخرين في أماكن مختلفة، خاصة بعد مشاركته في لقاء للمبادرات الشبابية في مدينة بنزرت في تونس، ومع قلة الموارد المالية التي كانت تعترض تجربة أنور كان بحاجة لإيجاد جهة تساعده على التجوال من أجل التعليم فتقدم لصندوق سفر www.safarfund.org للحصول على منحة سفر إلى الأردن لزيارة مجموعة من المؤسسات الإعلامية والصحافية ولقاء شباب مبادرين في مجتمعاتهم. يقول أنوار “زيارتي إلى الأردن جعلتني أعي تماماً أهمية روح العمل الجماعية ومفهوم التشارك، تعلمت أهم ما يمكن تعلمه: الإصغاء للآخرين بعدما كنت شخصاً كثير الكلام”. كما حالفه الحظ بالحصول على منحة ثانية إلى سوريا حيث اسماها “رحلة البحث وإستكشاف الذات”. ولعل انوار لكحل تمكن من الوصول إلى جواب شافٍ لما يريد أن يكون، فتجربة فاس تايمز والتي ولدت معه منذ الصغر شقّت طريقها في المغرب، بينما تمكن أنوار لكحل من ان يشقّ طريقه تجاه نفسه بالسفر والتجوال من اجل التعلم.