ذات يوم، ذهبنا إلى السوق لنبتاع بعض الأغراض التي سنحتاجها في شغل البيت، وبينما نحن هناك إذ طلع علينا رجل أشقر يبيع الوهم للمراهقين، فكريا، يمسك بيد الواحد منهم، ويبدأ في الكذب، أنت كذا وحياتك كذا وستصبح كذا، وإذا ما أحس بالضحية مشدوها أمام هذا المشهد المريب، يزداد جرأة ثم يقوم بالنفث في كفه واضعا شيئا غريبا في كف الضحية المشدوه، المسكين الذي لا يجد أمام هذا المشهد إلا أن يفغر فاه، المشهد الذي يتكرر من وقت لآخر ومن بلد لبلد، ولا يختلف إلا باختلاف المرجعيات والاديولوجيات، وكذا باختلاف الشخصيات والمنتجات، وغيرها، فهناك من يدعو إلى تأسيس شركة لإنتاج التخلف فتراه يجمع الناس من كل حدب و صوب، ويسعى حثيثا لإقناعهم أن شركته الجديدة ستتكفل بكل شيء وستبني لهم مدارس ونواد، مدارس أكثر جرأة وميوعة. وهناك باعة من الخطورة بمكان، تراهم يبيعون وهم السلام لأمة تنهكها الحروب منذ سنين، كما يحصل في فلسطين مثلا، تراهم من مؤتمر إلى مؤتمر ومن قارة إلى أخرى، ومن اتفاقية إلى أخرى، اتفاقيات باطنها الحرب وظاهرها حرب، لا يتوانون في ترديد الشعارات والظهور المزيف أمام الشاشات. ومن أغرب باعة الأوهام الذين يبيعون وهم الشغل لأهل البطالة وذوي الحاجات، فتجد الواحد منهم يرغد ويزبد ويبني قصورا من الوهم واعدا بالتشغيل، وهو لا يجد من يساعده في تشغيل عقله الذي تعطل منذ زمن،!! ومن باعة الأوهام الأكثر عصرية أصحاب التلفزيون الذين يكذبون على البشر يبيعون للناس الجهاز مدعين أنه بالألوان بينما هو بالأبيض والأسود بل أشد سوادا من ظلمة الليل البهيم، ومنهم أناس يبيعون وهم الفردوس للمهاجرين السريين فيأخذون أموالهم حتى إذا سافر هؤلاء اكتشفوا أنهم ضحية وهم، فلا هم قادرين على الاستمرار هناك أو العودة إلى وطنهم. إن كلاسيكية الأوهام التي تباع وتشترى متجدرة في المجتمع مع الأسف، ولها تاريخ، تجارة بدأت مع العرافين والكهنة في الأسواق وما تزال مستمرة في بعض الأسواق حيث أغلب ضحاياها من الجهلة والأميين بل وحتى بعض المثقفين أو المحسوبين على الثقافة، فمن عانس ترغب في الزواج إلى طالب يريد أن ينجح أو سياسي يريد أن يتسيس! إلى عاقر تريد أن تلد، كلهم يذهبون إلى أقرب بائع وهم لعله يشفي غليلهم، لكن هذه التجارة ستتطور بتطور التكنولوجيا مع بداية القرن21 حيث أصبحت تباع بالأس م س والايمايل والساتلايت غاية أصحابها الربح السريع، فمن منا لم تصله رسالة تخبره إنه فاز أو كاد؟ بعد أن يرسل مجموعة رسائل تكلف مجموعة دراهم. إن تجار الأوهام توغلوا بشكل مخيف والظاهرة تنتشر بشكل مثير وجب معه الحذر من الوقوع بين مخالب أصحابها. [email protected] للتواصل مع الكاتب