مازالت تواصل موسيقى الريغي الانتشار رغم مرور 3 عقود على رحيل أحد أكثر مبدعيها: عندما رحل مغني موسيقى الريغي العالمي بوب “مارلي” عن عالمنا في 11 ماي 1981 عن عمر لم يتجاوز ال36 سنة بسبب إصابته بالسرطان، كان قد أعطى بالفعل لموسيقى الريغي شهرتها العالمية. وعلى الرغم من مرور 30سنة على وفاته إلا أنه لا يزال يعيش في ذاكرة محبيه والمعجبين به، بفنه وموسيقاه، بل إن هذه الأخيرة تزداد شعبية يوما بعد يوم، فقد أصبحت بعض أغانيه جزءا من نسيج الثقافة الغربية، كما أن أغانيه حققت في السنة الماضية مكاسب تفوق ما حققته أعمال لفنانين آخرين رحلوا عن عالمنا ك توباك شاكور وجيمي هندريكس. ويعود الفضل في هذا إلى ألبوم “أسطورة” (ليجوند) الذي ضم نخبة مختارة من أغانيه وبيع أكثر من 10 ملايين نسخة بالولايات المتحدةالأمريكية لوحدها. بعد رحيله تزايدت أعداد مغنيي الريغي بسرعة فائقة خلال الربع الأخير من القرن الماضي، فهناك أولئك الذين يسيرون مباشرة على خطى بوب، و يعزفون ما يطلقون عليه “ريغي الجدور”، المجردة والخام. ومن بينهم مجموعة “يو بي فورتي” التي حققت نجاحا عالميا كبيرا، و البنان “برينينك سبير”، و كذا مجموعة “داسكاتلايس” كما أن هناك موسيقى الريغي التي تفرعت إلى أشكال جديدة. يصف أحد المتتبعين و المهتمين بموسيقى الكاريبية، “لم يعد هناك عزف حي لموسيقى الروك الأصلية، لقد باتت إلكترونية، و لكن ما يزال هناك عزف حي لموسيقى الريغي، التي تطورت إلى مجموعة منوعة من الأشكال الموسيقية”، وهي تضم الريغي الراقصة التي غالبا ما نستعين بعناصر إلكترونية، و روجها نجوم موسيقى بوب مثل شاغي و شان بول. من جامايكا إلى نيويورك تدين الموسيقى الأمريكية لجاميكا أكثر مما يتصوره الكثيرون عندما هاجر كلايف كامبل المعروف باسم “دي جي هورك” من جامايكا إلى الولاية المتحدة في أواخر الستينات اصطحب معه التيارات الموسيقية السائدة في جزيرته، و من أبرزها الموسيقى المدبلجة، حيث تغنى بطريقة الراب فوق الألحان، وقد جلب هورك الموسيقى المدبلجة إلى نيويورك، حيث شاعت و تطورت إلى الهيب هوب، النوع الموسيقي الجمايكي الأصل الأكثر شعبية في العالم و في صفوف الشباب بالخصوص. وفضلا عن ذلك تشترك موسيقى الهيب هوب والريغي في المواضيع المتشابهة التي تتحدث عنها مثل القمع السياسي والاجتماعي ومعاناة الفقراء في أحيائهم الفقيرة. الكثير من مغنيي الريغي الجمايكيين الأصليين نشؤوا في ترينش تاون، وهو حي جمايكي فقير معروف بأكواخه المؤلفة من صف طويل من الغرف ذات الجدران المكسوة بالورق المطلى بالفقر المدقع لا غير، باستثناء الموسيقى طبعا. قال هاور دبلوم، الوكيل الإعلاني لمارلي، في خروج إعلامي نادر له، لقناة “إم تي في ميوزيك”، “لقد أخبرني “مارلي” بأن ثقافة العصابات كانت قوية وواسعة الإنتشار لا سيما في أوساط الطائفة “الرستفارية” وحينما كتب بوب أغنية “قتلت الشرطي” (آي كيد د بوليسيي) لم يكن تتحدث حينها عن قصة أمريكية، حدثت في القرن19، بل كان يصف الإضطهاد الذي تعرضت له طائفته بجامايكا”، و الراتافريون” هم طائفة دينية جمايكية على صلة وثيقة بموسيقى الريغي و يتميزون بشعرهم الطويل المضفر. “مارلي”، الذي ولد في جامايكا عندما كانت الحرب العالمية الثانية توشك على نهايتها، بدأ يعزف “الساكسا” التي تجمع ما بين المنتو و الكاليبيو الجمايكية التقليدية من جهة، و كذا موسيقى الريدم أن بلوز الأمريكية من جهة أخرى، وعندما بدأت موسيقى الريغي تبرز في الستينات من القرن الماضي، انتهز “مارلي” الفرصة التي قدمتها لهم تلك الموسيقى الجديدة، فانتشرت أغاني بوب عن الفقر و الثورة التي سرعان ما تلقفتها شركة التسجيلات “آي لاندر ريكوردز”، لتبلغ الجمهور العالمي. إنهض رغم وفاة “بوب مارلي” استمرت موسيقاه في الانتشار فقد أحب الناس إيقاعها والرسالة التي تنقلها، كما أنها تلقى تقديرا كبيرا من لدن الشباب على وجه الخصوص، وهذا يعني أن هناك فنانين مثل شاغي و شان بول، أنتجوا قطع مسيقية في نفس الصنف حققت نجاحا ساحقا رغم أنها تبدو للبعض تجارية جدا، و يخشى الكثير من الفنانين أن تؤدي مواكبة اليغي للتيار الشعبي إلى تعديل الخصائص التي جعلتها فريدة لكي تحضى بشعبية أكبر. فيما يخشى آخرون مختصون بهذا الصنف الغنائي أن تؤدي الشعبية العالمية لهذا اللون الغنائي إلى إضعافه، فقد كانت أغاني فناني الريغي التقليديين تتمحور حول الثورة و الحب، أما الآن فإن الريغي لم يعد يتمحور حول الكلمات و أن الرسالة الكامنة وراءها باتت مفقودة. و مع ذلك لا تزال أشكال الريغي ناجحة، و لم تعبر هذه الموسيقى علي لسان حال فقراء ومستضعفي منطقة واحدة فقط، بل عن لسان حال العالم بأسره، و بالرغم من أن بوب مارلي لم تحقق أي أغنية من أغانيه نجاحا باهرا في حياته إلا أنه انضم إلى متحف مشاهير الروك أندرول سنة 1994، كما لا زالت ألبوماته تحقق نسب مبيعات خيالية في كل أرجاء العالم.