لقد حظي التعليم منذ أمد بعيد باهتمام بالغ من طرف الجميع، فهو ضالة الإنسان وطريقه نحو رؤية واضحة وهدف منشود، ومن دون تعليم لا يمكن للشعوب أن تؤطر وللقيادات أن تصنع وتأهل، فهو الأساس المتين لنهضة شاملة. وفي عالمنا اليوم تقسم الدول إلى دول نامية ودول في طريق النمو بحساب نسبة نجاح الدولة في قانون الحلقات الأربع أو ما يطلق عليه بمؤشر التنمية البشرية ويشمل ” التعليم الجيد والصحة الجيدة والاقتصاد الفعال والسكن اللائق” ولأن التعليم هو الأصل فبه تضمن بقية المؤشرات فقد عمدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى الاهتمام به وتطويره إلى أقصى الحدود وإعطاءه الجزء الأكبر من العناية المادية والمعنوية، وذلك بتشييد المدارس والكليات واختيار الكفاءات العليا من الأساتذة للتعليم وكذا حرصهم على توظيف حملات التحسيس والتوعية للرفع من مستوى التعليم وكذلك خلق فرص الشغل لكل المتخرجين. أما دول العالم الثالث أو ما يعرف بالدول السائرة إلى النمو فيبدو أن سنين الاحتلال قد أوجعتها كثيرا فلم تعي أن دواء دائها يكمن في التغيير الفاعل عن طريق التعليم واكتفت بالشكوى! ولك أن تنظر لوضعية المغرب كمثال جيد وواضح فبعد نيله ” لشهادة الاستقلال المجيد ” سارع لوضع خطة تنهض بوحدة ترابه للم الشمل من جديد، فما كان عليه إلا أن يصادق على بنود المحتل الفرنسي في مجموعة من الشروط فوافق على المدارس المختلطة وعلى المناهج الدراسية الخاضعة للمنظومة الغربية، وأجبر على ضرورة الاستشارة في كل ألف تضاف إلى سبورة التعليم أو ياء تحذف. فمتى كان المحتل حريصا على سلامة أعداءه؟ وماذا حققت هذه المناهج بعد خمسين سنة من تطبيقها ؟ أو لسنا بربكم بمثابة حقل تجارب للدولة الفرنسية؟ لقد أكدت الإحصائيات الأخيرة والتي أجريت سنة 2008 أن مغربنا الحبيب يحتل المرتبة الأخيرة عالميا على مستوى التعليم، وترتب دولة الأردن كأول دولة عربية ولكنها تحتل المرتبة الخامسة والثلاثون على المستوى العالمي. فأي انحطاط هذا الذي لحق بأمة اقرأ؟ ولحسن حظنا فالحكومة المغربية ورغم كل الصفعات التي تتلقاها من الداخل ومن الخارج فهي تتسم ببرودة وهدوء تحسد عليه، بل وتتفاعل مع الإحصائيات الدولية بشكل من الاطمئنان التام وتقابل انتقادات الطالب المغربي وأستاذه بأرقام ونسب نستغرب حقا بأي المعادلات الرياضية تم الحصول عليها! ولك أن تتخيل أن أكثر من 25% من ميزانية الدولة المغربية تصرف على هذا القطاع البئيس أو على الأقل كما تدعي وبلغة المنطق نتساءل أين واقعنا من هكذا نسب في ظل قلة المدارس في المدن ونذرتها في البوادي والقرى النائية، هذا ناهيك عن قلة الكفاءات من المدرسين والمعلمين وسوء توزيع عطل السنة الدراسية يضاف إلى هذا كله تلك الشواهد الطبية غير المنتهية؟ فما مآل التلميذ المغربي يا ترى؟ لقد أضحت المعاهد العليا لا تعترف إلا بالنقاط الخيالية فصرنا نتعامل كالنظام البنكي دون احتساب عامل الغش بين جل الطلبة إن لم نقل جميعهم، وتسريب الامتحانات وكذا العامل النفسي السلبي الذي يلازم التلميذ منذ الصف الأول الابتدائي ” لا وظيف بانتظارك ” فيعيش الطالب بين واقع مزري وأمل مفقود وحتى وإن افترضنا أنه ذو حظ فريد وشاء القدر بأن بتوظف فالراتب الهزيل الذي تمنحه له الدولة لا يكفيه حتى في سداد مبلغ الكراء وفواتر الماء والكهرباء، وكأن الحكومة تريد بهذا رد الصرف في هدر 25% من ميزانيتها سيتحول لنكد يلاحق هذا الموظف المسكين. إن البديل الوحيد الذي يطرق تفكير الطالب المغربي، هو الهجرة إلى خارج حدود الوطن حيث للتعليم رجال مخلصون هناك سيرقبه المستقبل المضمون والكرامة التي أكلتها السنون في وطنه الحبيب. إن المغرب اليوم هو أحوج ما يكون لقيادة نيرة تأخذ على كاهلها مسؤولية التغيير الجذري وكم نأمل أن تكون هذه القيادة هي تلك الأدمغة المهاجرة التي رفضت وضع وطنها البئيس ودفعت ثمن الغربة من أجل أن تتعلم ... وكما يقال قطيع من الأرانب يقودهم أسد أفضل بكثير من قطيع أسود يقودهم أرنب! ولك المثال في كل من ماليزيا وتركيا إذ استطاعتا ولوقت وجيز أن تصبحا من الدول المتقدمة عسكريا وحضاريا وثقافيا وإعلاميا وحتى سياسيا والسر أنهما منحتا للتعليم ما لم تمنحاه لغيره وها هما اليوم يستقبلون الطلبة من داخل البلاد ومن خارجها ويضمنان لكل متعلم متخرج وظيفة رسمية شريفة. ويكفي المغرب فخرا علماءه الأوفياء الذين تخرجوا من رحم أرضه المعطاءة ومن جامعاته الخيرة كجامعة القرويين بفاس وجامعة ابن زهر بأكادير لينظر مليا ويفكر بجد بمستقبل ” قطاع التعليم ” في ظل حكومة عاجزة وفاشلة.