“الهندية“، ليست لغة الهند أو امرأة من بلد المليار نسمة ولكنه لقب اصطلحه المغاربة على الكرموس هذه الفاكهة الغريبة التي يسميها أهل الجنوب “أكناري”، كنت أحضر عند بعض بائعي الهندية في حي البر نوصي الذي أصبح سكانه يعرفون جيدا أنواع الهندية، فقررت تصوير بعض المشاهد. يخرج بائعو الهندية في الصباح الباكر، بعيد الفجر ليتوجهوا إلى سوق الجملة لاقتناء صناديق الهندي ثم يقومون بشحنها في هوندات ليرجعوا بعد ذلك إلى المحلات (المكازات)التي اكتروها بالحي حيث عرباتهم اليدوية (الكروسات)، يفرغون في السادسة والنصف تقريبا محتويات الصناديق الخشبية فوق طاولة الكروسة، ثم يقومون بتنظيف الهندية من الشوك الأصفر وبعدها ينتشرون في الشوارع والأزقة، فيبدأ المشهد دون حاجة إلى لفظة{ أكشن} الشهيرة حيث الإخراج الدرامي هنا تلقائي ولا يحتاج دراسة في معاهد متخصصة، بل ربما يحتاج عمالقة الفن السابع إلى دراسة هذا النوع من الدراما المعقدة. بعض الناس لا يحبون أن يقف بائع الهندية أمام بيوتهم حتى لو كان بعيدا بأمتار، وقد شاهدت بأم عيني امرأة تسب بائعا وقد أمطرته بوابل من ألفاظ الشتم والسب وهو المسكين لايرد لأنه في العرف مهاجر لايعرف أحدا هناك. مطاردات رجال السلطة المحلية لها إثارة خاصة، فأصحاب الهندية المساكين ما أن يهنا بالهم من ”الشمكارا” أصحاب ”دبر علي”، حتى يبدأ فصل آخر ومشهد آخر مع رجال السلطة المحلية الأشاوس!! خاصة يوم الحيحة كما هو معروف عند الباعة المتجولين، إذ تتحول أزقة حي البر نوصي إلى بوليوود حقيقي تؤثثه حبات الهندية المرمية على الأرض بعدما يقوم أحد الباعة بفرملة عربته عندما تداهمه سيارة الأمن بشكل مفاجئ، بعض الباعة رأيتهم في حي المعاريف يلجؤون إلى خطة ”الانتردي” إذ يدخلون عرباتهم في الطريق الممنوع مما يحول دون مطاردتهم لأن سيارة الشرطة تحترم قانون السير حسب رأيهم، أحياء العاصمة الاقتصادية تعرف غزوا هنديا غير منظم خلال فصل الصيف، وتختلف أماكن توزيع العربات من حي لآخر لكن يبقى البرنوصي الحي الأكثر دراما من حيث توزيع باعة الهندية سواء أصحاب العربات المدفوعة والمجرورة أو الذين يضعون بضاعتهم على الأرض مباشرة .. والذين يقطعون أشواطا من الصباح الباكر إلى آخر الليل في اكبر أستوديو هندية في المغرب، يتعلم فيه بعض الناس الإخراج وحتى التلاميذ الذين يقضون العطلة الصيفية شغلا من أجل جمع ثمن اللوازم المدرسية. يساوم الزبون بائع الهندية التي قد يصل ثمنها إلى درهم ونصف للواحدة في بداياتها وفي أحياء دون أخرى، لكن يبقى الثمن محدودا بين ثمان ريالات إلى عشر في الصباح وأربع ريالات إلى ست في الليل بعد الأكل يقوم البائع بعد القشور فقط دون احتساب الخاسر منها الذي يتفق عليه مع الزبون قبل بداية الذبح من الجوانب والوسط بحركة سريعة ومتتالية، ويمكن أن يصل الذبح إلى سرعة قياسية إذا كان عدد الزبناء مرتفعا. ينتشر باعة الهندية بشكل عشوائي في البرنوصي داخل الأزقة وقرب السكة الحديد جنب بعض معامل عين السبع وفي رؤوس الشوارع الكبيرة وخاصة في محيط المساجد الكبيرة. وقد تتقلص المسافة بين الباعة إذ يمكن أن تصل إلى أمتار معدودة في بعض الحالات. بعض الناس يستهزئ بباعة الهندية ولا يدري جهلا أن أصحابها فيهم تلاميذ ومعاقون وطلبة دفعتهم الظروف إلى دفع العربات ومغازلة الهنديات والهروب بين الدروب من السلطات، دفعتهم الظروف دون سابق إشعار إلى الوقوف على خشبة تصوير دراماتيكي واقعي يحاكي استوديوهات بوليوود الهندية دون الحاجة إلى نجمات الهند اللواتي تم تعويضهن بهنديات المجدبة والحداوية وغيرها. يبقى بائع الهندية في الشارع إلى وقت متأخر من الليل حتى يضمن ربح اليوم وينهي ما عنده من هندي، ثم يؤوب إلى المحل ليباشر عملية إزالة الأشواك الصفراء من يديه وحساب الدراهم والنوم على أمل الاستيقاظ في اليوم التالي، مع مشهد جديد وهندية أخرى كتب عليها الذبح من ثلاث جهات. للتواصل مع الكاتب: [email protected]