مسرحية "يني إشارزن ثاغنانت" للكاتب أحمد زاهد هي واحدة من الأعمال الإبداعية الجديدة التي ستشكل قيمة فنية مضافة لريبيرتوار المنتوج المسرحي الأمازيغي لاسيما وأن الكاتب تمرس في هذا المجال من خلال أربعة نصوص مسرحية سابقة عززت خزانة المسرح باللغة الأمازيغية "تاريفيت" ولاقت عروضها صدى طيبا وسط الجمهور. المسرحية التي تقع في 70 صفحة والتي تطلبت من الكاتب زهاء سنتين من الإشتغال والتفكير، قام بمراجعتها وتصحيحها لغويا كل من محمد بوزكو ولحبيب فؤاد، وبنعيسى المستيري، وأعد غلافها أحمد حماس. العمل الجديد وإن لم يخرج عن نطاق تثمين التراث والتمسك بالهوية وإبراز تجلياتها وتسليط الضوء على خصوصيات المجتمع الأمازيغي ومحاولة التأصيل لمسرح أمازيغي قائم بذاته فهو يتميز بلمسة فنية مغايرة لما سبق أن تناوله الكاتب أحمد زاهد من خلال مشاهد مجزأة أقرب إلى الصنف الملحمي حيث تستمد وقائعها من الماضي عبر أشكال تعبيرية تتوخى إعادة صياغة التاريخ واستدعاء شخصيات من حقب مختلفة ارتبط إشعاعها بمسارات وتحولات بارزة شهدها المغرب. ففي هذه التجربة المسرحية الجديدة أصر الأستاذ أحمد زاهد على أن الاستعانة بتقنية "جدلية الأزمنة والأمكنة التي يتداخل فيها الماضي بالحاضر موظفا ما يطلق عليه ب"مسرح العبث" وكذا تقنية "المسرح داخل المسرح" مع إعادة صياغة أسئلة ربما بقيت عالقة في الزمن الماضي ويحاول أن يستدرك الأمر على خشبة المسرح في عمله الجديد يني إشارزن ثاغنانت. من خلال قراءة النص المسرحي يمكن الوقوف عند بعض التيمات الفنية التي نجدها ضمن مرتكزات المسرح الاحتفالي ويتجلى ذلك في حضور الذاكرة الشعبية وتداخل الأزمنة والأمكنة وتعددها في لحظة معينة وهو ما وصفه رائد المسرح الإحتفالي الأستاذ عبد الكريم برشيد حين أكد على أن "المسرح بالأساس موعد عام، موعد يجمع في مكان واحد وزمن واحد بين فئات مختلفة ومتباينة من الناس" وكذلك فعل أحمد زاهد حينما إستدعى فترات وحقب زمنية متباعدة برجالاتها وأعلامها من خلال قائمة طويلة من الرموز كطارق بن زياد وإدريس الأول، وموحا حمو الزياني، والشريف محمد أمزيان، ومحمد عبد الكريم الخطابي. ثم ماسنيسا، يوغرطة، وأكسل ويوبا، و تاكفاريناس، ويوسف بن تاشفين، والمهدي بن تومرت وشخصيات أخرى حضرت داخل اللوحات العبثية أو المشاهد "اللامعقولة" في مسرحية "يني إشارزن ثاغنانت". كما تبدو لمسة المسرح الاحتفالي في أن أحمد زاهد ترك هامشا للممثلين من أجل الاعتماد على قدراتهم ووركز على مسألة تعرية الواقع وطرح أسئلة مركزية تتوخى الوصول إلى أجوبة على وقائع وأحداث ورفع اللبس عن أماكن الظل الكثيرة التي يحفل بها تاريخ المجال الأمازيغي والذي يبقى في حاجة إلى الإنصاف ورد الإعتبار. وعودة إلى عنوان المسرحية يتضح أن أحمد زاهد أن يبرز سلوك العناد بكونه خاصية حاضرة بقوة في ردود الفعل التي تميز الإنسان الأمازيغي بل يمكن اعتبارها ثقافة مكتسبة تتمدد وتحضر في معظم مشاهد الحياة الإجتماعية ولعل تكرار الخلاف والعناد بين الممثلين وتبادل الاتهامات فيما بينهم بخصوص مسؤولية عدم إحضار زي شخصية الأمير الخطابي يحيلنا على عنوان المسرحية الذي أراد أحمد زاهد أن يبرزه في المسرحية ضمن حوار الممثلين في فترات متقطعة بين العروض واللوحات التي تتألف منها المسرحية إضافة إلى ميولهم نحو ربط الفشل والأخطاء بالآخر وهي سمات تظل دائما حاضرة لدى المجتمع الأمازيغي ، وما يعزز حضور سمات المسرح الاحتفالي هو أن المسرحية ذات نفس ترافعي وحمولة فكرية تتوخى إعادة كتابة التاريخ وترتيب وقائعه ورد الاعتبار لرجالاته ورموزه التي أريد لهم أن تنطفئ شمعتهم أو أن يكون شعاع ضوئهم خافتا في أحسن الأحوال. بل أكثر من ذلك طمست إنجازاتهم بشكل فظيع حتى لم يتبقى من أثرهم شيء يذكر ( مثلا طارق بن زياد فاتح الأندلس الذي يجهل مصيره) (محمد بن عبد الكريم الخطابي والشريف محمد أمزيان رائدا فكر المقاومة والتحرير) جزأ أحمد زاهد مسرحية يني إشارزن ثاغنانت إلى أربع مشاهد لكل منها عنوان متفرد وذلك بإيعاز من الفرقة المسرحية التي تضم مخرج وممثلة وممثل أول وممثل ثاني تعذر عليهم تقديم العرض المسرحي الرئيسي الذي يتمحور على شخصية الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بعدما نسوا زي شخصية الزعيم الخطابي حيث سيهتدي مخرج الفرقة داخل العرض المسرحي إلى استدراك هذا الخطأ بتقديم عرض ولوحة تحت عنوان "محاورات طارق بن زياد مع ادريس الأول" إلى حين وصول الزي وهو ما لم يتحقق وتفاديا لحالة الفراغ والتأخر في إحضار هذه اللباس ولكي لا ينصرف الجمهور ويتأكد فشل الفرقة تم تشخيص لوحة ثانية بعنوان "المحاكمة" ثم لوحة ثالثة بعنوان "إبليس" ولوحة رابعة تحمل إسم "الألم" وهي لوحات تتطرق بشكل مباشر وواضح أو بشكل رمزي لمجموعة من القضايا التي شغلت بال الكاتب وجيل الباحثين عن الحقيقة في ظل تداخل السياقات المرتبطة بالسياسة والاقتصاد والهوية والثقافة وما يختفي وراءها من مطالب وانتظارات تجيب على أسئلة حارقة من قبيل واقع الريف ومعاناة أبناءه وسط كم من الهواجس والأحلام التي تصطدم مع واقع بدون آفاق مستقبلية. أطوار المسرحية لم تخلو من عناد وتدافع بين الممثلين تبادل للاتهامات وتبخيس لبعضهم بعض والتهرب من مسؤولية اختفاء الزي مما حرم الجمهور من متابعة مسرحية "يني إشارزن ثاغنانت" التي يعكس عنوانها بالفعل السلوك الانفعالي للممثلين داخل العرض المسرحي وفي ذلك نموذج مصغر لما يشهده المجتمع الأمازيغي من طباع العناد بشكل الذي أضاع عليه فرصا كثيرة وأفسح المجال لمكونات ثقافية أخرى دخيلة تجذرت واستحوذت على مساحات شاسعة من المكون الأمازيغي كانت نتيجتها الحرمان والتضييق و الهجرة وهو ما وظفه الكاتب أحمد زاهد ضمن مواويل شعرية وأغاني "إزران" لمجموعة من الشعراء الأمازيع المتميزين (سعيد الموساوي/عبد الرحيم فوزي/الراحل أحمد الزياني/ الوليد ميمون.. ). فجاءت هذه اللوحات داخل العمل المسرحي الجديد للكاتب أحمد زاهد عبارة عن صرخات للتعبيرعن حجم المعاناة والإهمال الذي تعرض له المجال الأمازيغي والريف بصفة خاصة.