بقلم: محمد اليوسفي إن المتتبع لمسار التنمية في تمسمان كعالم قروي ، يستنتج في نهاية دراسته أنها لا تزال تعاني "من الكثير من مظاهر الإقصاء و التهميش و تعثر مشاريع التنمية و التطوير و الإصلاح" ، إذ الحصيلة دائما تؤكد أن ما تم التوصل إليه ما هو إلا "تنمية معطوبة أو معاقة أو مشوهة" ". سنخصص هذا المقال للحديث عن الأزمة الفلاحية في تمسمان، و هذا لا يعني أن المجالات الاقتصادية الأخرى قد نجت من الأزمة، و إنما اخترنا الأزمة الفلاحية لأن صناع القرار ربما "جربوا لزمن طويل مقاربات .. لم تمنع البوادي المغربية من إنتاج و إعادة أعطابها، فبالرغم من وصول التيار الكهربائي و الماء الشروب و الطرق اليها، و بالرغم من تمكينها من عدد من المؤسسات و القروض الصغرى" ، إلا أن الأزمات تتوالى و تتكاثر على البوادي المغربية مع مرور الزمن، وهي أزمة نالت منها تمسمان النصيب الأوفر، ومثال ذلك ما أصاب الفلاحة من تراجع كبير و تدهور ملحوظ، و ظلت تمسمان غارقة في الفقر و الاختلال، فلماذا لا يتم تجريب مسألة إعادة النظر في التنمية عن طريق القطاع الفلاحي؟ الأزمة الفلاحية في تمسمان: لنرجع قليلا إلى الماضي، حيث كان القطاع الفلاحي يعتبر المعوَّل عليه لدرجة كبيرة في بوادي تمسمان، زراعة الحبوب و تربية المواشي و جني الخضر و الفواكه... كانت السمة الرئيسية لفلاحة قبيلة تمسمان، حيث كان الفلاح يستعمل أدواته التقليدية المعهودة آنذاك، و كانت الأسر تخرج بأكملها إلى الحقول للعمل و التعاون و مد يد المساعدة إلى الأب و العم و مُعِيل الأسرة بصفة عامة، و عبرت عن فرحتها و سعادتها في شكل أغانٍ و أقوالٍ و حكمٍ لا زالت موجودة إلى حد الساعة، كانت تُردَّد في الحقول و مواسم جني الثمار...فساد نوع من العيش الكريم، و توفر الخبز و الحليب و الفاكهة و الخضر... و استطاع الفلاح كذلك أن يجعل من فلاحته وسيلةً لكسب المال عن طريق بيع الفائض الفلاحي –لأن الفلاحة بتمسمان تعتبر معيشية أكثر مما هي تسويقية - في الأسواق الأسبوعية، فأرض تمسمان لم تكن على ما هي عليه اليوم، فقد كان اللون الأخضر هو الطابع الطاغي على تراب القبيلة، والذي أصبح يتحول مع مرور الزمن إلى لون اصفر يدلُّ على هجرة الأرض و فك الارتباط بها، لتبرز أولى بوادر الأزمة التي لم تكن وليدة لحظة معينة، بقدر ما هي أزمة مصاحبة للقطاع الفلاحي منذ انطلاقته الجنينية، بسبب الإهمال الذي عاشه الفلاح التمسماني من قِبَل صُنّاع القرار الذين لم يزودوه بأبسط الوسائل الحديثة لممارسة نشاطه الفلاحي و ضمان مستقبل عيشه مما تنبته الأرض من الخيرات، فأدرك الفلاح من غير و عي أن الارتباط بالأرض هو سبب الأزمة التي بدأت تطرق عليه الباب، و أصبح الولد ينظر إلى الفلاحة بنفس نظرة أبيه، لان ممارسة الفلاحة ليست جهدا عضليا فقط، بل تحتاج إلى وسائل مادية و تقنية تكفل لها الاستمرارية و ارتفاع الجودة، لتعطي للفلاح نفَساً جديداً و روحاً معنوية مشجِّعة، و هذا ما غاب عن الواقع، فهاجر الأب الأرض و تبعه الولد، وزاد الطابع الجبلي لقبيلة تمسمان -الذي يعتبر عائقا كبيرا أمام الفلاح بهذه القبيلة – من فقدان الأمل من القطاع الفلاحي، فالحقول المترامية الأطراف السهلة الاستعمال، تتمركز بالخصوص في أيدي كبار الملاكين. فمن الفلاحين من باع أرضَه، ومنهم من تركها و هاجرها باحثا عن وسيلة أخرى لإعالة أسرته، و منهم فئة قليلة لا زالت تحاول جاهدة الاستمرار في خدمة الأرض، في أفق أن تعلن هي الأخرى انسحابها وتعبر عن مللها و سخطها على واقع الفلاحة المرير، و هو ما نلاحظه مع مرور الوقت، لتكون النتيجة في الأخير" فلاحين بلا ارض...نازحين بلا سكن، فمهاجرين بلا هوية في حالة الحريك إلى الضفة الأخرى" ، أو النهاية الحتمية في مقبرة المتوسط حالة غياب الحظ. إن الأزمة الفلاحية في تمسان، لا يستطيع احد أن يبررها انطلاقا من رؤية وأفق مسدودين، فلم تجرب و لو لمرة واحدة مقاربة الأرض و الاهتمام بها من طرف الدولة، بل الدولة هي المسؤولة الرئيسية عن ما آل إليه قطاع الفلاحة، لان الفلاح بالإضافة إلى جهله للحرف و أميته العلمية، يجهل الميدان الفلاحي و ما يكتسيه من أهمية كبيرة بين القطاعات الأخرى، بل ويجهل تماماً آليات و تقنيات الفلاحة بسبب غياب التكوين من طرف الوزارة الوصية، وعدم تقديمها له ابسط الوسائل و المواد للرفع من الإنتاج و تحسين الجودة من أسمدة و حبوب ...و غيرها. فالأرض موجودة، و الجو ملائم، و المياه متوفرة، فأينما حفرنا ينبع الماء، و التربة مناسبة لأشجار التين و اللوز و التوت و المشمش و الإجاص و التفاح و العنب...، وكذلك"الشعير و العدس ...والفول و البطاطس..." ، فإلى متى ستستمر الأزمة؟ و إلى متى سيظل ابن المنطقة يفكر في هجرة الأرض ؟و "لماذا يبحث بعيدا و تحت مناخ قاتل، عن أشياء لا تساوي ما يوجد تحت أيدينا و بجوارنا، في منطقة رائعة، يستنشق فيها...الهواء المنعش ...للبحر الأبيض المتوسط؟" ، الم يَانِ لنا أن ننهض و ندعو للتغيير؟ من اجل أن تنتعش الأرض التمسمانية من جديد،و نبعث الأمل في الجيل الجديد. -------------------------------------- 1- عبد الرحيم العطري، تحولات المغرب القروي، أسئلة التنمية المؤجلة، تقديم: الدكتور مصطفى محسن، الطبعة الأولى، طوب بريس، الرباط، ص:7 2- عبد الرحيم العطري، م س، ص: 7 3- عبد الرحيم العطري، ن.م، ص: 17 4- عبد الرحيم العطري،تحولات المغرب القروي، أسئلة التنمية المؤجلة، الطبعة الأولى، سنة 2009، ص: 18 5- أوجست مولييراس، المغرب المجهول، اكتشاف الريف، ترجمة و تقديم: عز الدين الخطابي، منشورات تفراز، ص:111