أثار خبر توقيع وزارة الصحة وولاية جهة الشرق ومجلس ذات الجهة، إتفاقية شراكة موضوعها إحداث منشأة استشفائية جهوية جديدة ومركزٍ ل"تحاقن الدم" بحاضرة وجدة، حفيظة رقعة واسعة من متتبعي الشأن العام المحلي بإقليم الناظور، مُخلّفاً موجة اِستياء عارمة وردودًا محتدّة وغاضبة وصلت إلى حدّ مطالبة المستشارين الناظورين بوضع اِستقالتهم على طاولة رئاسة مجلس الجهة، اِحتجاجا على ما اعتبروه "حيفاً" و"استمراراً لمسلسل الإقصاء" تُمارسه المؤسسة العمومية على الإقليم. واعتبر عددٌ من نشطاء المجتمع المدني بالناظور، إنشاءَ مرفقٍ جهويّ ضخمٍ يُعنى بتقديم الخدمات الصحية بمدينة وجدة، التي تتوفر في الآن نفسه على مستشفًى جامعيٍّ، فضلا عن توفرها على عدّة مراكز صحيّة، "سياسة إقصائية ممنهجة ضدّ المنطقة، وتهريباً للمشاريع إلى عاصمة الشرق التي تستحوذ على حصّة الأسد من مجموع المشاريع الكُبرى المُقامة أوراشها بجهة الشرق، بينما ترزح باقي الأقاليم ومنها النّاظور بخاصّة، تحت وطأة الاِفتقار والافتقاد لكلّ المشاريع التنموية الحيوية". ففي هذا الصدد، قال حكيم شملال، ناشط مدني "كنتُ من الرّافضين لإلحاقِ إقليمي الناظور والدريوش بجهة الشرق تحت وصاية إدارية وجدة، باعتبارها عاصمة أبدية جعلت من الناظور بقرة حلوب للتسريع من وتيرة تنميتها؛ فمن المعهود أن وجدة لم ولن تكون منصفةً لأقاليم الشرق"، كاشفاً في الحين ذاته أن "المستشارين النّاظوريين بمجلس الجهة، دون أن أستثني منهم أحدا، برهنُواْ على فشلهم الذّريع في اِستقطاب المشاريع الحيويّة وجَلبِها إلى إقليمنا وعدم ولائهم للمنطقة التي يمثلونها". وأردف شملال، في معرض تصريحه ل"ناظورسيتي"، أن "وجدة تتوفر على مرافق عمومية عديدة ومختلفة، من ذلك مستشفيات، مراكز إنكولوجية، معاهد في شتّى الميادين والمجالات، منها معاهد موسيقية وإعلامية وحتّى في فنّ الرّقص، مثلما تتوفر على مسارح ودُورٍ للثقافة وقاعات سينمائية، ومركبات رياضيّة ضخمةٍ وكل ما تحتاجه كبريات المدن من منشآت ومرافق، وذلك تأتّى لها على حساب تنمية المناطق الأخرى الواقعة داخل حيّز تراب الجهة، وخاصة منها الناظور". وزاد المتحدث، قائلا "لم يتم التفكير قطّ من قبل، في إنشاء طريقٍ سيَّار يربُط بين النّاظور ووجدة، إلاّ عندما لاحت الحكومة بورقة مشروع إنشاء ميناء غرب المتوسط، وذلك طبعًا بهدف اِستنزاف ما سوف تعود عليه المنشأة السّاحلية بالخير العَمِيم وتوجيه نفعهِ نحو حاضرة وجدة، التي اِستحوذت في الأصل على كل المنشآت الحيويّة التي أتاحت خلق فرص الشُّغل للآلاف من أبنائها، دونًا عن أبناء باقي الأقاليم الرّازحة تحت وطأة المعاناة والحرمان على كافة الأصعدة والمستويات". مردفاً "لقد كذبوا على ساكنة الناظور وضحكوا على ذقون الأهالي، عندما استمروا في إيهامها على مدى سنوات بإحداث منشآت صحية وثقافية ورياضية بحاضرتها، لإسكات الأصوات المتعالية بمطلب إنشاء المرافق العمومية والمشاريع المفتقدة لدى الساكنة، قبل أن يتكشّف زيف وعود المسؤولين"، مسترسلا "في وجدة، يدعمون الجمعيات ويدعمون الشركات والمستثمرين، بينما في الناظور دائما ما نحصد الرّيح، ونصرخ بملء حناجرنا ضداً على هذا الغَبَن، لكن بدون طائل". وتابع مترئِّس حركة "متطوعون من أجل الناظور"، بالقول "ما زلتُ مصراً على أن اِنضواءَ النّاظور تحت لواء جهة الشّرق، يعدُّ أكبر غلطة في تاريخ المنطقة، مما باتَ يستوجب التصحيح عن طريق المُطالبة بالاِنسلاخ من منظومة إدارية ما خُلقت في حالة الشّرق، سوى لخدمة الوجديين بمفردهم دونًا عن آخرين كما يبدو بصورة جليّة لا غبار عليها، لذا نطالب باِستقالات فوريّة للمستشارين الذين يمثّلون النّاظور داخل مجلس الجهة، تنديداً بعدم إحلالِ مبدأ العدالة المجالية بمنطقة الشرق". بدوره اِستنكر يوسف الراشيدي، فاعلٌ سياسي، ما أسماه "التعامل الإقصائي الواضح للمدن المهمشة داخل نفس الجهة، التي تعاني من اِنعدام خدمات التطبيب، خصوصا بالدريوش وتاوريرت وبوعرفة، في مقابل التركيز على تهريب المشاريع الكبرى إلى وجدة، وذلك بإملاءات فوقية لا يمكن اِعتبارها إلا عنصريّة وبُغضًا دفينًا يسكنُ قلوب المسؤولين الذين يجهزون على كل بارقة أمل في توزيعٍ مجاليٍّ عادلٍ للمرافق الاجتماعية، بخاصّة الصحيّة منها التي سَئِم المواطن من الصّدح مطالبا بها". وأوضح الراشيدي، أن رئيس مجلس الجهة "حصل على منصبه الحالي في رئاسة المجلس ذاته، بفضل التأييد الذي حَظِي به في إقليميْ الناظور والدريوش، لكنه سَار في اِتجاهٍ آخر، فأصبح خادمًا فعليّا في تصريف قرارات عنصرية تجاه أقاليم آخرى"، مؤكداً أنّه "لم يُساهم على مدار ولايته، في أيّ مشروعٍ اِجتماعي مهما قلّ شأنه سواء في الناظور أو الدريوش"، مستطرداً "عامل الناظور سُدّت في وجهه الأبواب، بينما مسئولو الإقليم غائبون، لذا فمسلسل المعاناة ما يزال مستمراً وسوف لن تنتهي قطعاً". وفي السياق ذاته، اِعتبر هشام سوداني، فاعل حزبي، أنّ "الاقصاء والتهميش أضحى من أبرز خططِ عملِ الحكومة اتجاه أقاليم الريف، لذلك فإن المشاريع الصحيّة الضخمة كافّة، هي مُوجّهة بالضرورة إلى العاصمة المركزية للجهة، دون مراعاة مبدأ تقليص الفوارق المجالية بين أقاليم منطقة الشرق، وبدون الرّجوع إلى الإحصائيات الرسمية اللاّزمة في هذا الصدد، بُغية تحديد الإقليم الأكثر حاجة إلى تلك المنشآت والمرافق الصحيّة العمومية". مبرزاً أنّ "الحكومة غير راغبةٍ في تمكين ساكنة الرّيف بمركز لمعالجة السرطان، قريب من النقط التي تعدّ أكثر إصابة بالداء الخبيث، رغم اندلاع عدة انتفاضات شعبية، أبرزها حراك الرّيف الذي رفع مطالب عادلة ومشروعة، أهمها المستشفيات، وكذا وقفة الرابع من فبراير سنة 2017، التي صدحت بمطلب وحيد، ألا وهو إنشاء مركز إنكولوجي بالناظور، على اعتبار أنها تعرف، إضافة إلى الدريوش، تسجيل أكبر نسبة لحالات الإصابة بمرض السرطان حسب إحصائيات الدولة". "ها هي اليوم الأطراف الرسمية، توقّع اتفاقية شراكة جديدة لإنشاء مركزٍ استشفائي جهوي ومركزٍ لتحاقن الدم بوجدة، كأن الأقاليم الأخرى لا نصيب لها، كما هو عليه الحال دوماً، من المشاريع الجهوية التي تمسّ حاجة ساكنتها إلى رفعِ معاناتها وتسهيل وُلوجها إلى الخدمات الصحية"، يردف سوداني قبل أن يتساءل "فأيّ عدالة مجالية تحدثنا عنها الحكومات؟ وعن أي تنمية تتشدق بها؟"، لافتاً إلى أن هذا الواقع والوضع المزريين ساهم في إفرازهما بشكل كبير "ضعف أداء برلمانيّي الإقليم والمنتخبين بجميع المجالس المنتخبة، بالنّظر إلى عدم اِستئثار هذه المواضيع الجوهرية الحسّاسة باِهتمامهم، وعدم ضغطهم على الحكومة". من جهته، اِستغرب جمال الترك، ناشط مدني، كيف لإقليمٍ مثل النّاظور، لا يتوفّر سوى على مستشفى إقليميٍّ واحد جرى تشييده إبّان عهد الاستعمار، مع ما يعرفه من افتقارٍ لأبسط شروط الجودة في الخدمات، ما دفع الأجداد قبل الأحفاد إلى الاحتجاج منذ عقود بحالها للتنديد بواقع اِنعدام الخدمات الصحيّة والتطبيبيّة، في حين تقرّر إنشاء مستشفى جهوي بوجدة المتوفرة على مستشفى إقليميّ وجامعي بمواصفات عالية، فضلا عن مراكز صحية عديدة". وأضاف المتحدث، في إفادته ل "ناظورسيتي"، "من حقنا أن نتساءل عن طبيعة السيّاسة التي تنهجها الدولة تجاه المنطقة، وعن الدّور المُلقى على عاتق كلّ منتسبٍ إلى النُّخبة السياسية الناظورية، المُتجلي بالدرجة الأولى في الترافع عن مصالح ساكنة الإقليم، في ظلّ تغوّل لوبي مجلس الجهة الواقف وراء تهريب المشاريع إلى وجدة على حساب على مصالح الناظور وباقي الأقاليم، لمواصلة مسلسل تنميتها وكأنها الإقليم الوحيد في تراب الشرق".