لم تعد سواحل أقاليم الحسيمة والدريوش والناظور مصدرا فقط للهجرة السرية في اتجاه جنوب إسبانيا ومنها إلى دول أوربية أخرى، بل نقطة عبور وإقامة لمجموعة من المهاجرين المتحدرين من دول جنوب الصحراء الذين يتخذون من بعض الغابات والمناطق المحاذية لمليلية السليبة أماكن يجتمعون فيها، على أمل التسلل إلى الأخيرة. وأصبح موضوع الهجرة السرية متداولا بشكل كبير أكثر من أي وقت مضى لدى شباب المنطقة الممتدة من الناظور إلى سواحل الحسيمة، أمام تفشي ظاهرة البطالة وغياب فرص شغل حقيقية، وكذا بفعل وقف نشاط التهريب عبر الحدود المغربية الجزائرية، إذ سجلت نسب لم يسبق لها مثيل في عملية رحيل الشباب عن إقليمالحسيمة نحو أوربا بطرق غير شرعية، تقودهم إلى ذلك شبكات متخصصة في تهريب البشر والاتجار في المخدرات. وأصبح شغل الشباب الشاغل بمنطقة الريف، تحقيق حلم الهجرة إلى " الفردوس المفقود"، ناهيك عن المهاجرين الأفارقة الذين يقطعون مسافات تقدر بحوالي مئات الكيلومترات نحو المدن سالفة الذكر، خاصة الناظور التي يطلق عليها "جزافا" باب أوربا. وبات العديد ممن يرغبون في الهجرة السرية لقمة سائغة في أيدي مافيا التهجير السري والاتجار بالبشر، الذين يملكون وسائل مختلفة من سيارات رباعية الدفع وأخرى مهترئة وقوارب مطاطية ودراجات مائية "جيت سكي" وبراميل مليئة بالبنزين، يقومون بتهجيرهم نحو جنوب إسبانيا مقابل مبالغ مالية قد تصل أحيانا إلى 20 ألف درهم للفرد الواحد، حسب الوسيلة التي سيبحر على متنها المهاجر السري وعدد الأفراد الذين سيكونون على متن القارب ونوعه وعدد محركاته، في الوقت الذي يفضل آخرون الهجرة على متن دراجات مائية "جيت سكي"، انطلاقا من سواحل الريف، اعتمادا على وسائلهم الخاصة. وفككت الأجهزة الأمنية بمختلف أنواعها من أمن وطني ودرك ملكي وقوات مساعدة بالأقاليم الثلاثة، شبكات متخصصة بتهجير البشر، يتحدر أفرادها من الريف وكذا من دول جنوب الصحراء، وهي متلبسة بنقل مرشحين للهجرة السرية. وحجزت لديهم قوارب مطاطية مختلفة الأنواع ومحركات خاصة بها، فضلا عن سيارات ومجموعة من القطع الميكانيكية والإلكترونية التي تستعمل في الملاحة البحرية. واعترف العديد من المرشحين للهجرة السرية بعد إيقافهم أنهم يدفعون مبالغ مالية لأفراد الشبكات سالفة الذكر تتراوح بين 14 ألف درهم و20 ألفا لكل واحد مقابل تهجيرهم. ورغم الخناق الذي تحاول مصالح الدرك الملكي تشديده على مافيا الاتجار في البشر من خلال ضربها حراسة أمنية على سواحل الريف الممتدة بين السعيدية والحسيمة، فإن هذه الشبكات مازالت تتناسل بشكل كبير على طول هذه السواحل، فبمجرد ما أن يعلن عن إجهاض محاولة تهجير مجموعة من المرشحين للهجرة السرية انطلاقا من سواحل الدريوش، حتى تعلن الأجهزة الأمنية في منطقة أخرى عن تفكيك شبكة أخرى وحجز زوارق مطاطية مزودة بمحركات حديثة، بل أكثر من ذلك، تنقل وسائل الإعلام أخبارا عن غرق "حراكة" أو العثور عليهم أو فقدانهم. حملات تمشيطية يقبع في سجون الناظوروالحسيمة وطنجة ووجدة مئات المتورطين في تنظيم عمليات الهجرة والاتجار بالبشر. وتضع مصالح الدرك الملكي بإقليم الدريوش خاصة أعينها على سواحل المنطقة على مدار 24 ساعة، ما مكنها من إيقاف أشخاص مرتبطين بهذه الشبكات، كما تشن حملات تمشيط واسعة على السواحل الواقعة بنفوذها، أمام التدفق شبه اليومي للمهاجرين المتحدرين من دول جنوب الصحراء الراغبين في تحقيق حلم الهجرة، الذين يلجؤون للاختباء في الغابات وبعض المنازل التي يستأجرها أفراد الشبكات، في انتظار الفرصة للإبحار نحو جنوب إسبانيا.