بغض النظر عن التقييمات الأولية لثورة الياسمين التونسية ، وأخذا بعين الاعتبار عدة معطيات أولها أثر 23 من القمع الذي أخد عدة مظاهر كان أولها انحطاط الممارسة السياسية وانهيار قيمها النبيلة القائمة على احترام الآراء ، والاستعداد للدفاع عن حاملها وان لم نشاطره الرأي ، و ترهل الأحزاب السياسية ، واختيار ما يعرف بمعارضة الداخل العيش في ظل الحزب الوحيد ، قهرا أو عن طواعية ، مما جعلها غير قادرة على المبادرة و الأخذ بزمام الثورة عندما قامت ، أو على الأقل الضغط لاختيار العناصر القمينة بقيادة المرحلة الانتقالية ، وفقدان النقابات ، التي تعتمد على الجماهيرية بعض من دينامية مناضليها من جراء القمع الشرس،مما جعل أهمها تتردد بين مقاطعة مسرحية الغنوشي ومن معه أو الانخراط فيها . واستكان النخب الفكرية والأكاديمية من جراء سياسة العصى والجزرة إلى مراقبة التطورات السريعة دون الاقتراب منها أو حتي التنظير لها . وهجرة أهم الفعاليات المدنية ، خاصة الحقوقية منها ، للعمل في المؤسسات الحقوقية الدولة . وثانيها تعدد ارتباطات النظام السابق، والدي قبله ، بالأقطاب الدولية و التدخل الغير المباشر لهده الأخيرة لرسم معالم تونسالجديدة ، كما تدخلت من قبل لرسم معالم تونس المستقلة . وثالثها الطبيعة الأسرية لمن كان يقبض بزمام الأمور في فترة حكم بن على ووصول الأمر إلى حد الميوعة السياسية ، ونمو علاقات زبونية متمحورة حول عائلتي بنعلي-الطرابلسي ،مبنية على النهب بجميع أشكاله . أمام كل هدا هل تصلح منهجية العدالة الانتقالية لمعالجة الوضعية السياسية الراهنة والمترتبة عن ما سبق ذكره ؟ نعم تونس محتاجة اليوم ، و هدا الظرف السياسي الدقيق من حياتها ، وحتي لا تفوت الفرصة من جراء تكالب الحرس القديم على الثورة ، إلى اعتماد منهجية العدالة الانتقالية للخروج من مأزق ما بعد ديكتاتورية بن على والتأسيس الحقيقي للدولة الديمقراطية ودولة الحق والقانون. باعتبار أن هده المنهجية تسمح كذلك ببث نوع من روح المبادرة في كل المؤسسات والفعاليات المترهلة . وتستفز الذكاء الجماعي ، وتفتح المجال أمام الأفراد و المجموعات للاقتراح والمبادرة والانخراط في البناء الديمقراطي والمساهمة فيه . إن التجربة التونسية في مجال العدالة الانتقالية ، إن كتب لها القيام ، ستكون نموذجا جديدا وفريدا ،باعتبار أن الثورة وقفت في منتصف الطريق ولم تستطع ، للاعتبارات الذاتية والموضوعية السابقة الذكر بالمواصلة لقطف ثمارها الطازجة ، و ستطرح ، أي التجربة التونسية ، أسئلة جديدة على المهتمين بالانتقالات الديمقراطية والعدالة الانتقالية بالخصوص، و سيدفع المهتمين بمنهجية العدالة الانتقالية ، التونسيين وكل من سيتعاون معهم من الخبراء الدوليين ، إلى مزيد من الإبداع لتناول مرتكزاتها . دلك أن بن على وان لم يتسبب طيلة مدة حكمه في جرائم ضد الإنسانية ، فقد فعل دلك في فترة اندلاع الثورة ،حيث من المؤكد أنه الآمر بقتل ما يقرب من ثمانين مواطنا .فادا كان البحث عن الحقيقة يشكل أهم مرتكز من مرتكزات العدالة الانتقالية ، فان الحقيقة لن تنجلي إلا بالإجابة على ثلاثة أسئلة تقليدية وهي ، من أمر ومن نفد ومن استفاد من هده الجريمة . الكل يعلم أن الآمر كان هو بن على ، و مؤكد أن وزير الداخلية والقائم على الحرس الرئاسي ، عكس المسؤول الأول عن الجيش نفذوا الأمر الموجه إليهم من قبل الرئيس بدون تردد .في حين أن المستفيدين كثر أولهم تلك التي هربت بما يعادل 1500 كلغ من الذهب حينما كان هؤلاء ينفذون أمر الرئيس .ومن المؤكد كذلك أن الأيام ستكشف عن مستفيدين كثر خاصة من المقربين عائليا وحزبيا بالخصوص. من المؤكد كذلك أن ضحايا كثيرون لنظام بنعلي هم في حاجة ماسة اليوم إلى جبر ضررهم ، سواء أولئك الذين فوتت عنهم فرص الحياة العادية أو أولئك الذين هجروا أو أولئك الدين حرموا من عزيز عليهم . ومما لا شك فيه كذلك أن تطبيق مفهوم جبر الضرر الفردي والجماعي سيكشف للكثيرين كم كانوا واهمين عندما اعتقدوا أن تونس نموذجا للدولة الناجحة فيما يتعلق بمقايضة التنمية بالحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان . وسيكتشفون للمرة الألف أن لا بديل عن الديمقراطية للتنمية الحقيقية .وما غير دلك أوهام أو ضحك على الذقون.أو إيجاد المناخ الملائم للنهب والسطو وممارسات التجاوزات السياسية والحقوقية . أعتقد أن زمن اشتغال التونسيين على معالجة ماضيهم السياسي يجب أن يمتد من الاستقلال إلى يوم ثورة الياسمين ، دلك أن كثيرون من التونسيين يشتكون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم عقب الاستقلال وسيطرة الوطنيين على الحكم بقيادة الراحل بورقيبة . و هي مناسبة للإنهاء مع توترات مرحلة ما بعد الاستعمار.. لتونس كما لجميع بلدان شمال إفريقيا ضحايا كثر من جراء القمع الذي أعقب ذهاب المستعمر وقيام صراعات داخلية بين بعض الشرعيات الوطنية ، المناسبة هامة للشعب التونسي لتكريم ضحاياه ، كما كرم المغرب ضحايا سنوات الرصاص وان ما زلنا نطالب بضرورة اعتدا ر الدولة لضحاياها . وصيغ التكريم متعددة وكثيرة . إلا أن الأهم من كل هدا هو ضرورة التفكير في طرق تعامل التونسيين مع من نهبوا البلاد والعباد ، فمن الضروري أن يبدع الشعب التونسي صيغ لمعاقبة كل من خولت له نفسه الاعتداء على حرمة البلد والشعب .إلا أن هدا الإبداع يجب أن يكون مسكونا بالمستقبل وليس بالماضي ، ما يعني ضرورة البحث عن صيغ عدم تكرار ماجري والمساهمة في بناء الدولة الديمقراطية التي يجب أن تتسع للجميع. . أعتقد أن هشاشة الانتقال في تونس ، وتكالب قوي محيطة بها من قبيل الجماهيرية الليبية والجمهورية العسكرية الجزائرية يستوجب من جميع التقدميين والحقوقيين في العالم التفكير لمساعدة التونسيين على الاستفادة القصوى من ثورتهم.والتأسيس للدولة التونسية الديمقراطية . عبدالسلام بوطيب رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل.