تعد مغارة (إفري نعمار)، الواقعة بتراب جماعة أفسو (حوالي 50 كلم جنوبالناظور)، من المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية والثقافية الكبيرة، غير أن هذا التراث الأركيولوجي المتميز لم يحقق الإشعاع المطلوب ولم يستثمر بعد في التنمية السوسيو- اقتصادية للمنطقة . فالأهمية التاريخية للمغارة والتي أكدتها الأبحاث الأركيولوجية التي أجريت بها تقتضي تضافر جهود جميع الجهات المعنية وتعبئة كافة الإمكانيات المتاحة لتهيئة الموقع والنهوض به والترويج له، وجعله بالتالي أحد محركات التنمية المحلية عبر بوابة السياحة الثقافية والتاريخية . وقد مكنت الأبحاث، التي قام بها باحثون من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث التابع لوزارة الثقافة والمعهد الألماني للأركيولوجيا، من اكتشاف أقدم آثار للحضارة العثيرية بموقع (إفري نعمار) تعود إلى حوالي 175 ألف سنة . وسبق أن أرخت هذه الحضارة ، التي تم اكتشافها لأول مرة بموقع بئر العاطر بالجزائر، بما بين 20 ألف و40 ألف سنة، غير أن بعض الأبحاث المنجزة حديثا بمواقع أثرية مغربية مكنت من الحصول على 110 ألف سنة كأقدم تاريخ لهذه الحضارة . ومع الاكتشافات التي تمت بإفري نعمار أصبحت هذه المعطيات متجاوزة، حسب نتائج الÜتأريخ الجديدة المحصل عليها في الموقع . فضلا عن ذلك، مكنت الأبحاث الميدانية، المنجزة بالموقع خلال سبع سنوات تحت إشراف الباحثين عبد السلام مقداد وجوزيف انفانكر، من اكتشاف عدد هائل من اللقى الأثرية العثيرية تتضمن رؤوس رماح وأدوات مذنبة استعملها الإنسان آنذاك في الصيد وأدوات أخرى كالمكاشط والمحكات والصفائح التي قد تكون استعملت في قطع اللحوم وفي دباغة جلود الوحيش . ومن بين أهم اللقى الأثرية المكتشفة بالموقع أصداف من صنف "ناساريوس" استعملها الإنسان العثيري كحلي. وتعد هذه الأصداف التي تم العثور عليها كذلك بمواقع "سكول" بفلسطين، و"بلومبوس" بجنوب افريقيا، و"واد جبانة" بالجزائر و"تافوغالت" بالمغرب والمؤرخة بأكثر من 80 ألف سنة ، من أقدم أشكال التعبير الرمزي التي يعتقد أن ظهورها مرتبط بالإنسان الحديث الذي عمر أوروبا منذ 40 ألف سنة . وتطالب فعاليات المجتمع المدني بمنطقة الريف بإعادة تأهيل وتثمين التراث التاريخي بالمنطقة، وتوفير البنيات التحتية الضرورية التي تساعد على جذب الباحثين عن السياحة التاريخية والثقافية، فضلا عن تنظيم رحلات لتلامذة المؤسسات التعليمية لإطلاعهم على جزء من تاريخ المنطقة، القديم منه والحديث . كما تطالب هذه الفعاليات ببذل كافة الجهود الممكنة لحماية تاريخ وتراث منطقة الريف الغني والمتنوع والحفاظ عليه للأجيال المقبلة، مع تسريع إجراءات تسجيل المواقع الأثرية المميزة الموجودة بالمنطقة ضمن لائحة التراث الوطني والعالمي .