"إننا على كل حال أقوياء فوق أرضنا، إن هذه الجبال منذ الأزمان الغريقة في القدم ملكية أسلافنا، ولسوف ندافع عنها حتى القطرة الأخيرة من دمائنا"، هذا هو تصريح الشهيد مولاي محند عقب انتصار أنوال المجيد، هذا الانتصار الذي يعتبر منعطفا حاسما في السيرورة التاريخية الريفية، وحتى في التاريخ الأوروبي و الإسباني بالخصوص، إذ استطاع الريفيون بقيادة الشهيد محند تغير مجريات التاريخ خلال عشرينيات القرن المنصرم. عقب إحتلال أنوال في أوخر سنة 1920، برفض شديد و اندلاع المقاومة في جبال ثمسمان بالريف الأوسط، في هذه الأثناء وجد الخطابي قاعدة شعبية ساخطة عن الاحتلال الإسباني، ليتخذ منها النواة الأولى لتوحيد صفوف المقاومة، وبعد مرور أشهر عن حلول سنة 1921 وجه مولاي محند باعتباره زعيم المقاومة المسلحة رسالة إنذارية إلى الجنرال سلفستري الذي كان على رأس 5000 عسكري في أنوال الموقع المسمى "فواسا"، يحذره فيها بعدم تجاوز "إغزار أمقران" بثمسمان في إتجاه أيث ورياغل لكون الزحف الإسباني كان مستمر في اتجاه الغرب، الرسالة التي لم يعطى لها سلفستري أدنى أهمية، وكان رده "بعد يوم أو يومين سأشرب الشاي في منزل عبد الكريم الخطابي في أجدير". بمجرد تجاوز الزحف الإسباني إغزار أمقران، إندلعت المقاومة وكان الإنتصار حليف الريفيين في موقعة أدهار أوبران في فاتح يونيو1921، و التي قادها شهيد المعركة "الشيخ أعمار التمسماني" ثم انتصر الريفيين في معركة سيذي أدريس بثمسمان في الثاني من يونيو 1921، وفي معركة إغريبن بتاريخ 17 يوليوز من نفس السنة، هذه الإنتصارات المتوالية مهدت لمعركة من أكبر و أشهر المعارك في التاريخ الإنساني الحديث. بعد الفشل الذريع الذي تعرض له الجيوش الإسبانية خلال محاولة إنقاذ معسكر إغريبن، وإنهزامهم أمام الريفيين، تسلل الرعب إلى قلوبهم وبدأت تضعف معنوياتهم، بالرغم من الأسلحة الحديثة و التجارب العسكرية التي كان قد ركمها الجيش الإسباني باعتباره ثاني أكبر جيش حنذاك. تزامنا وانهزام الجيوش الكولونيالية في إغريبن، حاصر الريفيون موقع أنوال من مختلف الجهات، وعندما استشعر الإسبان وفي مقدمتهم سلفستري بالخطر، أردوا الانسحاب في اتجاه معسكر العروي عبر أيث طيب، لكن لم يسعفهم الحظ، و تعرضوا لقصف من مختلف الجبال المحيطة بهم، ورغم إستعمالهم لأسلحة متطورة من مدافع و بنادق لم ينفعهم ذلك أمام إرادة الريفيين. إندحر في هذه المعركة، أو الكارثة الكبرى، كما يحلو للإسبان تسميتها، ما يزيد عن عشرون ألف عسكري موزعين على فرق على رأس كل فرقة عقيد أو مراقب أو ملازم، وقتل الجنرال المتغطرس سلفستري صديق الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر، برصاصة الريفيين في المحل المسمى "سيذي أخريفة"، وقتل أيضا المستكشف العسكري موراليس في المكان المعروف ب "إسومار"، كما أستشهد العديد من الريفيين في ساحة المعركة لم نتعرف على عددهم و أسمائهم نظرا لما تعرض له تاريخ الريف من طمس و حيف. و أسر الخطابي مائة الإسبان من فلول الجنود المنهزمة. وردت معركة أنوال على الريفيين مائة المدافع و الرشاشات، و ألاف البنادق، و ملايين الخراطيش، ومؤونة من الأدوية و اللوجستيك، و عشرات الفرسان و شاحنات ...، من خلال هذه الغنيمة، تمكن الريفييون من تزويد جيشهم، الذي سيصبح نظاميا بعد تأسيس الجمهورية الريفية في 18 شتنبر من نفس السنة، وتعتبر معركة أنوال النقطة المحورية لتحرير الريف من القبضة الإسبانية و تأسيس نظام سياسي ريفي طبيعته جمهورية، أنتخب مولاي موحند على رأسه. واستمر إلى غاية 27 ماي 1926 تاريخ استسلام الخطابي للقوات الفرنسية الإسبانية بلغ تعددها 500،000 مقاتل وباستخدام مكثف للأسلحة الكيماوية، بعد التحالف الأوروبي (إسبانيا، فرنسا، ألمانيا...) و المخزن المغربي، وقصف الريف بالأسلحة الكيماوية الفتاكة، التي لا زالت المنطقة تعيش أثارها إلى اليوم. و تعتبر حرب الريف عموما ومعركة أنوال على الخصوص نبراسا للشعوب التواقة للحرية والانعتاق على مستوى العالم، فقبل أنوال كان يبدو للشعوب المستعمرة استحالة هزم الجيوش الاستعمارية، وحتى التفكير في مقاومتها كان يعتبر ضربا من الوهم، خصوصا بعد عدم تمكن العديد من الحركات الجهادية من مقاومة الغزاة، لكنه بعد أنوال ستتأهب جل الشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار للدفاع عن نفسها وعزتها وكرامتها، وتتمكن العديد من الشعوب التحررية من قهر جبروت الدول المستعمرة بتبنيها للأسلوب الحربي الجديد الذي ابتدعته المقاومة الريفية بقيادة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، والاستفادة من دروس المقاومة الريفية