أن تتحدث عن وجود أسماك القرش المفترسة والخطيرة بالبحار والمحيطات فذاك أمر طبيعي لأنها البيئة المناسبة لعيشها، لكن ما يثير الاستغراب هو أن يتم تداول صور غير دقيقة وفيديوهات بعضها تم تصويره بمناطق مختلفة من بقاع العالم قبل سنين، والبعض الآخر لا يعدو كونه لقطات مقتبسة من أفلام رعب سينمائية، تناولت موضوع هجوم القرش الأبيض على الإنسان في مشاهد صادمة. فقد انتشرت إشاعة في ظروف غامضة تتحدث عن وجود هذا النوع من الأسماك بشواطئ الشمال واحتمال نزوحها إلى الساحل ومهاجمة المصطافين الذين يتوافدون على المنطقة كل موسم بأعداد غفيرة، ما يساهم في انتعاش السياحة الداخلية بشكل كبير، خاصة بعد انتشارها بسرعة البرق وسط صمت المؤسسات المسؤولة، ما قد ينعكس بشكل كارثي على الموسم السياحي لهذه السنة، بإثارة الفزع بين صفوف المصطافين بالسواحل الشمالية وعزوف الراغبين في الالتحاق بها من مختلف مناطق المغرب، خلال الأيام القليلة المقبلة. من خلال تحقيق أنجزته «الأخبار» على طول شواطئ الساحل الشمالي والموانئ المتواجدة بالمضيقوالفنيدق ومرتيل، في موضوع إشاعة تواجد القرش الأبيض المفترس بالشواطئ أو بالقرب منها، نفى جميع المصطافين الذين التقتهم الجريدة معاينة هذا النوع من الأسماك أو أي نوع آخر ضخم، لكنهم أكدوا سماعهم لإشاعة خبر تواجدها عبر المواقع الاجتماعية وبعض المواقع الإلكترونية، مبرزين تذمرهم واستياءهم من تضارب الأخبار والمعلومات والتعليقات التي تخلط السخرية بالجد. مجموعة من البحارة الذين يمارسون الصيد بالقوارب الصغيرة وآخرين بأعالي البحار، نفوا تصويرهم لأي لقطات تظهر أسماك القرش قريبة من الساحل وتسريبها أو إدلائهم بتصريح لجهة معينة في الموضوع، سوى تأكيدهم على معاناتهم مع نوع من الأسماك المتواجدة بوفرة بالمنطقة، تقوم بإتلاف الشباك وهي ضخمة نوعا ما، لكنها لا تهاجم الإنسان أو تقترب من السواحل. جولة ميدانية انطلقت «الأخبار» في جولة ميدانية للتحقيق في موضوع إشاعة تواجد القرش الأبيض المفترس بشواطئ الشمال من ميناء المضيق، وقد التقت «الأخبار» مجموعة من البحارة الشباب والكهول زوال السبت الماضي بالمكان، وأجمعت تصريحاتهم على عدم معاينتهم لسمك القرش وهو يقترب من الشاطئ، أو تصوير أحدهم للقطات يتم تداولها بشكل واسع ويزعم ناشروها في تعليقاتهم أن البحارة العاملين في مجال الصيد هم مصدرها. وقال أحد البحارة الذي يتحدر من الحسيمة والتقته الجريدة بالميناء داخل السفينة الكبيرة التي يعمل بها، أنه يعمل منذ أكثر من عشرين سنة في مجال الصيد البحري ولم يسبق له أن سمع بتسجيل أي هجوم للقرش الأبيض على المصطافين بالشمال، أو خروج هذا النوع الضخم من الأعالي التي يفضلها وتناسب بيئته التي يعيش فيها، نحو المياه الضحلة والشاطئ. وأضاف المتحدث نفسه، أنه خلال العمل بأعالي البحار يصادف وجود أنواع ضخمة من الأسماك قد يكون القرش الأبيض ضمنها، وهو معروف بترحاله من منطقة إلى أخرى ويعيش في الغالب داخل جماعات، لكن لم يسبق أن تعرض وزملاؤه لهجوم منه، أو حدثه أي صياد من معارفه عن ذلك سوى بعض الأساطير التي لا سند لها. وكشف المتحدث ذاته أن العديد من الأسماك الضخمة التي تعيش بالأعماق يحمل الإنسان في ذاكرته صورة خاطئة وسلبية عنها، فضلا عن قناعات تكونت من خلال متابعته بعض البرامج التلفزيونية أو الأفلام السينمائية، لكن الواقع مغاير لذلك تماما، بحيث إن الإنسان لم يكن يوما هدفا أو فريسة مفضلة للقروش البيضاء مثلا، حتى أنه في بعض الحالات النادرة التي يهاجم فيها هذا النوع البشر وتم تسجيلها بمناطق خاصة يعيش فيها بكثافة يكون السبب خطأ في التقدير، أو عملية استفزاز بوجود دماء، أو حتى استعمال ألواح للسباحة تظهر من تحت كالفقمة. ونفى بحار في الخمسينات من عمره مشاهدة القرش الأبيض خلال هذه الأيام وهو يقترب من الشواطئ، سواء أكان ذلك على شكل جماعات كبيرة أو بشكل متفرق، فضلا عن نفيه تسجيل أي حالة مماثلة خلال السنين الطويلة التي عمل فيها بحارا وخبرته الواسعة في المجال. وكشف المتحدث نفسه أن الصيادين يصادفون الدلافين وأنواعا كثيرة من الأسماك الضخمة بعرض البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن أسماك أخرى موجودة بكثرة بسواحل الحسيمة تعمل على إتلاف الشباك، لكن نادرا ما يصادفون أسماك القرش بحجم متوسط بأعالي البحار وليس كما تتحدث الإشاعة عن وجودها بالشاطئ. وأضاف المتحدث أن إشاعة تعطش أسماك القرش لمهاجمة المصطافين هي كلام فارغ ولعب أطفال (كلام خاوي، ولعب ديال العواول)، لأن الحيتان الضخمة بصفة عامة لا تفضل المياه الضحلة والشواطئ، وتعيش في الأعماق التي تناسب حجمها والبيئة المناسبة لنشاطها وتغذيتها. واستمرت جولة «الأخبار» بشواطئ المضيقوالفنيدق ومرتيل والرأس الأسود، حيث أكد بعض الشباب عدم اهتمامهم الجدي بموضوع الإشاعة من الأصل، وتصنيفهم للأمر داخل خانة التنكيت والسخرية والتسلي على الموقع الاجتماعية بمواضيع أكثر إثارة، متناسين أن الإشاعة أخذت أبعادا أخرى جد سلبية ويمكن لتطور نتائجها المتسارعة أن يهدد الموسم السياحي بالمنطقة، بنشر الفزع والخوف داخل نفوس المواطنين. هذا وعاينت الجريدة إقبالا عاديا للمواطنين على الاصطياف بالشواطئ، وسط حديث واسع عن إشاعة اقتراب القرش من الشواطئ والرغبة الملحة لدى البعض في معرفة الحقيقة، من خلال طرح أسئلة تتعلق بالصور والفيديوهات المتداولة بالفيسبوك، حتى أننا وجدنا أنفسنا في الكثير من الأحيان مضطرين للإجابة بشكل مفصل عوض طرح الأسئلة. انتشار الإشاعة انطلقت إشاعة وجود القروش البيضاء بسواحل الشمال ثاني يوم عيد الفطر، وتمت بادئ الأمر، بحسب مصادر، عبر تداول فيديوهات وصور على الموقع الاجتماعي فيسبوك، والتعليق على أن التقاطها وتسجيلها تم من طرف بحارة يمارسون الصيد بالمنطقة، قبل أن تخرج بعض المواقع الإلكترونية المختصة في الإخبار وتزيد الطين بلة بنقلها للإشاعة دون التأكد من المصادر، محاولة الرفع من عدد القراء بعناوين أكثر إثارة تثير الفزع والهلع بين المواطنين، عوض المهنية والتقدير الصحيح لحساسية مثل هذه المواضيع وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد المحلي والوطني. وكشف شاب من الفنيدق أن بعض الصفحات التي يتابعها عدد كبير من رواد الفيسبوك نشر مسيروها صورا للقروش وفيديوهات منقولة من موقع (يوتوب)، فضلا عن لقطات من أفلام سينمائية تظهر لحظات هجوم القرش على بعض البحارة والمصطافين والتهامهم، قبل أن يعمل بعض المراهقين وعديمي المسؤولية على مشاركة هذه المواد ولو على سبيل المزاح والبسط بينهم، متناسين أن من يعيش بعيدا عن المنطقة يمكنه تصديق الإشاعة إلى حد ما، أو على الأقل تثير لديه أسئلة متعددة قد تدفعه لتغيير الوجهة السياحية في ظل تضارب الآراء والتعليقات. وأضاف المتحدث نفسه أن أبناء المنطقة، وبحكم قربهم من الشواطئ وخبرتهم في التعرف على الكثير من أنواع الأسماك الضخمة وطريقة عيشها والأماكن التي تتواجد فيها بكثرة، لم يصدقوا الإشاعة، لأنه لم يسبق تسجيل أي حادث هجومي للقرش على المصطافين، كما أن العديد من ممارسي هواية الغطس تحت الماء بالمنطقة لم يصادفوا من قبل هذا النوع من الأسماك ولا زالوا يمارسون هواياتهم بشكل عاد. وحول فيديو زعم ناشروه أنه سجل بواد لاو ويظهر قرشا صغيرا على الشاطئ يمسكه أحد الشباب ويحاول إخراجه من الماء، نفى مصدر من المدينة الخبر نهائيا، وقال إن الفيديو تم نشره على موقع «يوتوب» منذ أكثر من ثلاث سنوات ولا علاقة له بشاطئ واد لاو من قريب أو بعيد، مضيفا أن العديد من الصور القديمة التي نشرها رواد المواقع الاجتماعية يجهل مصدرها وقد تبرأ العديد من البحارة منها، خاصة من ظهرت صورهم إلى جانب أسماك ضخمة تم اصطيادها سابقا بأعالي البحار ولا علاقة لها بالقرش الأبيض أو إشاعة اقترابه من شواطئ الشمال. وأثناء حديث «الأخبار» إلى عدد من المصطافين، قال بعض الشباب بمرتيل إن هذه الإشاعات أصبحت أمرا شبه معتاد في بداية كل موسم للاصطياف، وإن كانت انتشرت بشكل أكبر خلال هذه السنة، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين من خلال شهاداتهم شبه المتطابقة، أن الأمر يمكن تفسيره من خلال الجهل العلمي ببعض الحقائق، فيما ذهب بعضهم إلى اعتبار أن الأمر قد يندرج في نطاق محاولات التشويش على الموسم الصيفي والرواج الاقتصادي الواسع الذي تعرفه المنطقة الشمالية خلال هذه الفترة، إذ أصبحت تستقطب سياحا من مختلف الجنسيات بشكل قد يثير غيرة جهات لا ترغب في الخير للمغرب وتسعى إلى تعطيل تنميته بكل الوسائل، فيما تساءل أحد الشباب من مجموعة أخرى حاورتها الجريدة باستغراب كيف يتم تداول هذه الإشاعة بهذا الشكل على مستوى شواطئ تطوانوالمضيقوالفنيدق، فيما شاطئ سبتةالمحتلة المجاور، والذي لا يبعد إلا بمسافة قليلة جدا ويشكل امتدادا طبيعيا لهذه الشواطئ، لا يثير أي إشاعة من هذا النوع، ولا وجود لأي تخوف على هذا المستوى أو احتياطات استثنائية تم اتخاذها من طرف السلطات الإسبانية. صمت المؤسسات ساهم صمت الجهات المسؤولة ورؤساء الجماعات وممثلي السكان فضلا عن استهانة السلطات المحلية بالأمر، وغياب التنسيق مع المصالح المعنية للخروج بتوضيح رسمي على الأقل أو طمأنة المواطنين حول إشاعة وجود القروش البيضاء الضخمة بشواطئ الشمال وتهديدها لسلامة المصطافين، (ساهم) في انتشار «الأخبار» الزائفة وغير الدقيقة في وقت قياسي وإثارة الرعب في النفوس، خاصة لدى العائلات التي تقطن بعيدا عن البحر وكانت تنوي قضاء عطلة الصيف بالشمال، لتشرع في التفكير في تغيير الوجهة، وتطورت الأمور إلى الحد الذي جعل بعض المواقع الإلكترونية ورغبة منها في تحقيق الإثارة المجانية وكسب عدد كبير من الزوار، تنشر فيديوهات تم تصويرها بمناطق مجهولة وتنسب حدث خروج أحد القروش من الحجم المتوسط إلى الشاطئ ووجوده وسط مجموعة من المصطافين بحضور عدد من السباحين المنقذين، إلى شواطئ الشمال بواسطة عناوين رئيسية وكأن المصادر موثوقة. وقال أحد المهتمين إن مسؤولية المجالس الجماعية تتمثل في تنمية المدن وجلب الاستثمارات في مختلف القطاعات، خاصة القطاع السياحي الذي تراهن عليه المنطقة مستقبلا لمنافسة دول أخرى متقدمة في المجال وجلب السياح من الداخل والخارج على حد سواء، لذلك كان عليها التنسيق في ما بينها والانتباه إلى مثل هذه الأمور الخطيرة المتعلقة بإشاعة يجهل مصدرها بدأت بشكل بسيط، قبل أن تتحول مع مرور الوقت إلى مادة دسمة على المواقع الاجتماعية وتبادل معلومات غير دقيقة يمكنها ضرب الموسم السياحي، والتأثير بشكل سلبي جدا عل الأهداف المنتظرة من المشاريع الضخمة التي أشرف على تدشين بعضها الملك محمد السادس، وينتظر أن يعطي انطلاقة تجهيز وبناء أخرى وفق استراتيجية تروم خلق فرص عمل مهمة وتنمية شاملة. وكشف المتحدث نفسه أن الخروج بتوضيح من المؤسسات المسؤولة بناء على معطيات رسمية ميدانية، كان سينهي الإشاعة في المهد قبل انتشارها كما نعاين الآن وتضارب الأخبار الزائفة كما وقع بمرتيل عندما غرق شاب في البحر وأخذ الناس يتحدثون بالمقاهي والأماكن العامة عن التهام القرش لجثته قبل العثور عليها وحملها إلى مستودع الأموات من أجل إخضاعها للتشريح حسب تعليمات النيابة العامة المختصة. وأضاف المتحدث أن المجتمعات من طبعها تناقل الإشاعات والزيادة في المؤثرات الجانبية لتصديقها من طرف الآخرين، لكن التوضيحات التي تصدر عن المصالح والجهات المعنية كفيلة بتقزيم كل إشاعة والسيطرة عليها، عكس الصمت واللامبالاة التي تنعش الإشاعة أكثر وتفتح الباب لاستغلالها والركوب عليها من طرف جهات تستفيد منها وتغنم نتائجها. وطالب العديد من المصطافين الجهات الرسمية بالخروج بتوضيح في الموضوع، لأن الأمر يتعلق بسلامتهم، فضلا عن مطالبتهم المنابر الإعلامية والقيمين على الصفحات النشيطة بالفيسبوك، بعدم نشر أخبار غير دقيقة وصور وفيديوهات يجهل مصدرها والمكان الذي صورت فيه. فتح تحقيق قالت مصادر أمنية إن والي أمن تطوان سيشرف شخصيا، بداية هذا الأسبوع، على تحقيق موسع حول إشاعة تواجد القرش الأبيض الضخم بشواطئ الشمال، ومحاولة الوصول إلى الجهات التي أطلقت الإشاعة بالتزامن مع الزيارة الملكية للمنطقة، وسربت فيديوهات قديمة وصورا يتم تداولها بشكل واسع ونسبت أحداثها لشواطئ الشمال في ظروف غامضة. وكشفت المصادر ذاتها أن التحقيق في الموضوع من شأنه أن يساهم في إماطة اللثام عن مجموعة من الأمور، وتحميل المسؤولية القانونية للمواقع الإلكترونية ومسيري الصفحات المشهورة على الموقع الاجتماعي فيسبوك، والتي تعاملت مع الأمر باستخفاف، وساهمت في انتشار الإشاعة وخلقها الفزع والهلع وسط المواطنين، وهو الشيء الذي تعاقب عليه القوانين الجاري بها العمل، ويمكن أن يؤدي إلى السجن في حال ثبتت التهمة. وقال مصدر مسؤول بالوقاية المدنية إن الفيديو الذي يتم تداوله ويظهر فيه سباح منقذ إلى جانب مصطافين متحلقين حول قرش متوسط الحجم، يجهل مصدره والمكان الذي صور فيه، لأن جميع السباحين المنقذين بالمنطقة نفوا عند الاتصال بهم خروج أي نوع من السمك الضخم إلى الشاطئ خلال توليهم لمهامهم بالمراكز المخصصة. وأضاف المصدر نفسه أنه لا يمكن أبدا أن تقع أحداث مثل هذه وتغيب عن السلطات المحلية أو مصالح الوقاية المدنية من خلال السباحين المنقذين الذين يغطون جل الشواطئ ويراقبون المصطافين للتنبيه للخطر ورصد حالات الغرق والعمل على الإنقاذ.