كانت الفكرة السائدة عند قدماء سكان قلعية، أن سبخة "بوعرك" لم تكن موجودة منذ القدم، وأنها كانت أرضاً فلاحية مليئة بالحقول والبساتين، وأن الحاجز الطبيعي الذي يفصل اليوم بين البحيرة الصغيرة والبحر الأبيض المتوسط، كان أكبر وأقوى مما هو عليه الان، وأن سكان قبيلة كبدانة كانوا يتخذونه مسلكاً مباشراً الى مليلة،ثم وقع فيضان كبير( تسونامي) في البحر الأبيض المتوسط وضرب سواحل قلعية ومنها هذا الجزء من سهل بوعرك.وعاد البحر الى مستواه بعد مدة طيلة، ولكن مياه البحر لم تخرج من هذا الجزء من الأرض بعد أن كوّنت بحيرة جميلة سماها المؤرخون سبخة بوعرك. وسماها الأهالي البحر الصغير كما سماها الإسبان مارتشيكاMARCHICA . ولا يتذكر القدماء تاريخاً لهذا الفيضان أو هذا تسونامي لكن هؤلاء كعادتهم في التأريخ بالأحداث الكبرى يطلقون عليه"زمان و مان‘‘، حتى أصبح كل ما حدث قديماً جداً ولا يتذكرون تاريخه يقولون عنه إنه حدث في زمان و مان، وكأن التاريخ يبدأ عندهم من هذه النقطة، من السنة التي ضرب فيها تسونامي ساحلهم. بادئ ذي بدء أريد أن أشير، وأنا أتحدث عن بحيرة الناظور،أن هذه المدينة لم تكن موجودة بعد، وأنها من إنشاء الإسبان سنة1912 م أيام الحماية، ولكن برج الناظور الذي أخذت منه الإسم كان موجوداً منذ القرن السابع الهجري. وكان موقعه في قمة تل الناظور، وكان يطل على الحي المدني POBLADO ومعسكر ريغولاريسREGULARES حيث نجد اليوم خزان الماء الصغير لحي إكوناف.وسكنت جماعة من سكان قلعية تحته على سفح التل عرفت بايت الناظور. وعند دخول الجيش الإسباني الى أراضي قلعية عام1909 م واستقراره عند سفح التل، انتقلت هذه الجماعة من ايت الناظور الى شط البحيرة قرب ثانوية الخطابي اليوم، وتركوا بيوتهم وخيامهم التي أسكن فيها الإسبان نساء من بني بويحي ومطالسة. ولم يكن برج الناظور هو الوحيد في جبال قلعية، بل كانت هناك أبراج أخرى لمراقبة الأعداء والقراصنة في قمم الجبال والتلال العالية كبرج باسبيل وبرج القلة اللذان كان يراقب منهما المجاهدون تحرك الإسبان في حصن مليلة. وفي شمال برج الناظور هناك برج اخر فوق تل سيدي علي تمكارت،وقد احتفظ النصارى باسمه وسموهATALAYON ومعناه بلإسبانية البرج الصغير. وفي جنوب برج الناظور هناك برج إشوماي في قمة التل حيث نجد اليوم خزانات الماء التي تزود المدينة بالماء الشروب. وكان الحي الذي يعرف اليوم بحي إكوناف يسمى ( بين النواظر ) لوقوعه بين الناظورين أو البرجين:برج الناظور وبرج إشوماي. والناظور ليس اسماً للبرج بل هو اسم للحارس الذي يكون داخله ويقوم بالنظر والمراقبة. وشواطئ الأندلس معروفة بهذه الأبراج التي كانوا يراقبون منها القراصنة وقد تحدث عنها ابن بطوطة في رحلته الى الأندلس. وتسونامي كلمة يابانية تتألف من جزأين:(تسو) ومعناها الميناء و(نامي)معناهاالموجة،وتسونامي كاملة معناها (موجة الميناء)وهي أقوى الأمواج وأعتاها.وقد أصيبت سواحل المغرب في القديم بأمواج تسونامي الذي كان يعرف بفيضان البحر. ويقول الخبراء المغاربة في تسونامي إن تسونامياً عملاقاًMEGA-TSUNAMI ضرب سواحل المغرب الأطلسية عام1755م وتسبب في أضرار بالغة بجميع المدن الساحلية مثل طنجة وأصيلة والعرائش والمهدية وسلا والرباط ومازغان واسفي وأكادير. وسبب هذا هذا تسونامي العملاق هو زلزال لشبونة الذي بلغت قوته8,50 درجة بمقياس ريشتر، وذلك بتاريخ1755/11/01 .أما عن سواحل البحر الأبيض المتوسط فيذكر هؤلاء الخبراء زلزالين تاريجيين:الأول وقع بتاريخ22 /09 / 1522م ويعرف بزلزال ألمرية، والثاني بتارخ09 / 10 /1680م ويسمى زلزال مالقة، تولدت عنهما موجات عالية للتسونامي في مدن سواحل البحر الأبيض المتوسط وخلفت خسائر كبيرة في شواطئ الأندلس وشمال إفريقية كما يحكون. ويحكي مولييراس في كتابه ( المغرب المجهول) عن الفيضانين اللذين ضربا سواحل قلعية: جاء الفيضان الأول أو تسونامي الأول نتيجة زلزال 1522 م وهو الذي أدى الى تكوين بحيرة مارتشيكاMARCHICA وفيه يقول: "يحكي شيوخ قلعية أنه في قديم الزمان غطت مياه البحر جميع السهول ولم تبق إلا قمم الجبال ظاهرة في وسط الماء كجزر صغيرة ضائعة بين أمواج البحر، وبعد مدة تراجع البحر حتى توقف عند حصن مليلة. وهكذا تكونت سبحة بوعرك التي لم يتراجع عنها الماء أبداً ‘‘. لا شك أن في رواية مولييراس كثير من الحقيقة وكثير من المبالغة أيضاً عندما يتحدث عن تسونامي ضرب ساحل قلعية وأن مياه البحر قد غمرت السهول والجبال ولم تبق منها إلا قمم الجبال ظاهرة في وسط الماء كجزر صغيرة لأننا لانرى الأمر معقولاً لأن جبال قلعية العالية لا يمكن لها أن تختفي ولا أن تصبح قممه جزراً صغيرة،قد يحدث هذا مع التلال الصغيرة كتل سيدي علي بالناظور وتل سيدي علي تمكارت بسبب قربهما من البحر وقلة علوهما، ولكن لن يحدث هذا مع جبال قلعية التي ترتفع مئات الأمتار عن سطح البحر. نحن لا نشك في ضرب تسونامي لسواحل قلعية وإن كان هناك من يرى أن هذا من الخرافات.لكننا لا ندعي أن أمواج البحر قد وصلت الى قمم جبالها كما يقول بعض الشيوخ حتى في وقتنا الحاضر بدليل وجود بعض الخراصانات هناك في قمة أحد الجبال حيث كانت تشد السفن والمراكب على حد زعمهم. لاريب أن فيضاناً كبيراً قد ضرب سواحل قلعية مرتين بسبب الزلزالين المذكورين اللذان يشبهان زلزال سومطرة الذي هز اسيا عام2004 وتسبب في تسونامي ارتفعت أمواجه أكثر من 10 أمتار، فقتلت ما يزيد عن225000 شخص في إندونيسيا وسريلانكا وتايلاندا والهند وجزر الملديف، وتغيرت به الخريطة الجغرافية لاسيا عندما اختفت جزر معروفة وظهرت جزر جديدة، وابتعدت جزيرة سومطرة نفسها حوالي30 كلم الى الغرب من موقعها القديم. ويقول مولييراس بعد ذلك عن الفيضان الثاني الذي سببه زلزال1680 :"في قديم الزمان كان هناك شريط من اليابسة يفصل بين البحيرة والبحر الأبيض المتوسط،وقد سكنته عائلات عديدة؛بعضها في الخيام وبعضها في بيوت مشيدة وكونت مدشراً مهماً .وكان الجميع يشتغل في ملح البحيرة ويبيعونه للقبائل الريفية المجاورة كما كانوا يفعلون بالسمك الذي يصطادونه من البحيرة. وذات ليلة وسط البرق والرعد والعاصفة القوية اقتحمت أمواج البحر المتوسط البرزخ المعمور، وجرفت المياه كل ما وجدته في طريقها من البيوت والرجال والنساء والأطفال والدواب كقشة من العشب. وهكذا غرقت ثلاثة دواوير بمن فيها واختفى الشريط لمدة عامين تحت الماء. وبعد ثلاثة أو أربعة أعوام ظهر الشريط من جديد عندما بدأ البحر في التراجع ‘‘. ويضيف مولييراس:" إن القلعيين يفضلون بناء مساكنهم في الأماكن المرتفعة التي تسمح لهم برؤية ما حولهم من البادية خائفين من هجوم البحر، ففي جميع التلال تجد مداشر مرصوصة، بعضها مرفوع في قممها، وبعضها معلق على سفوحها ‘‘. ولا شك أن مولييراس يشير هنا الى هاجس الخوف من البحر عند القلعيين منذ القدم حتى أصبحوا يشيدون بيوتهم في قمم الجبال أو على سفوحها حيث لا تصل اليهم أمواج تسونامي . ومهما يكن فإن قدماء قلعية تحدثوا عن فيضان البحر في هذه المنطقة مرتين وثبت علمياً أن زلزالين قد ضربا في بحر البوران مرتين أيضاً، لماذا هذا الإتفاق إذا كان كلامهم خرافة ؟!.