نظم المجلس العلمي المحلي لإقليم الدريوش، والمجلسان العلميان المحليان لكل من الناظوروالحسيمة، وبتعاون مع مركز التقوى للدراسات والعلوم الشرعية، يوم أمس السبت 26 مارس الجاري، أشغال اليوم الأول من الندوة الوطنية الثالثة وذلك في موضوع الحركة العلمية بالريف من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الهجريين: مميزاتها وإسهاماتها. وقد شهدت الندوة العلمية الوطنية حضور الكاتب العام لعمالة الدريوش وقائد قيادة بني وليشك، ورؤساء المجالس العلمية لكل من الدريوش، الناظور، الحسيمة، وكذلك مناديب الشؤون الإسلامية ومنتخبين يتقدمهم رئيس جماعة بن الطيب ورئيس جماعة وردانة، ودكاترة وأساتذة وباحثين وكذلك عددا من الأئمة والوعاظ والمؤطرين ومهتمين بذات المجال موضوع الندوة. الندوة التي أستهلت بآيات بينات من سورة الرعد، عرفت جلستها الإفتتاحية تقديم كلمة لرئيس المجلس العلمي المحلي للدريوش، الأستاذ الدكتور بنعيسى بويوزان، والتي رحب في بدايتها بجميع الحضور الذين تجشموا عناء ومشقة السفر لحضور ذات الندوة العلمية الثالثة، راجيا أن تكلل بالنجاح كالذي شهدته الندوتين السابقتين الأولى والثانية، وأبرز الأستاذ بنعيسى بويوزان، تَطلُّعه لأن يكون تنظيم هذه الندوة سُنَّة حميدة تذهب في مسار الإستمرار لمدة طويلة، وأشار ذات المتحدث إلى أنه في هذه الندوة الثالثة قد تم إختيار استكمال المسيرة العلمية في منطقة الريف وتاريخها العلمي على مدى ثلاثة قرون متوالية وذلك من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر من السنة الهجرية، أي من خلال الدولة الوطاسية والسعدية. وأضاف الأستاذ بنعيسى بويوزان إلى أن ما يثلج الصدر، هو أن هذه الندوة تضم بحوثا تتعرض لأول مرة لمواضيع وشخصيات علمية تنتمي لهذه المنطقة، وهذا يعني فيما يعنيه أن البحث التاريخي المتخصص والأكاديمي لاشك أنه سيظفر بالجديد وهو ينقب في مصادر التاريخ العام وكتب التراجم والأعلام، وإعتبر كذلك أن ما يزيد من أهمية هذه الندوة، هو التعاون العلمي بين المجالس العلمية المحلية الثلاث المشكلة لأقاليم الريف. وفي الكلمة الثانية التِّي ألقاها رئيس المجلس العلمي المحلي للناظور الدكتور ميمون بريسول، فأشار إلى أن المجالس العلمية بكل من الدريوش والناظوروالحسيمة أصبحت إبتداءً من هذه الندوة العلمية الثالثة، تشتغل متعاونة ومنسقة في كل ما يخص الأنشطة العلمية التاريخية واللغوية والتراثية، والتي تروم إلى التنقيب عن دواليب الحركة العلمية في الريف عموماً، وإعتبر أن مجرد التفكير في تنظيم هذه الندوة العلمية الثالثة التي تحمل إسم الحركة العلمية بالريف من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر الهجريين: مميزاتها وإسهاماتها، وكذا إعداد ملفاتها وأبحاثها ومحاورها يُعدُّ إبداعا ثقافيا وعلميا في حد ذاته، لأن منطقة الريف كانت ولا تزال جزءًا من ربوع أمة لها حضارتها التي بنتها على أسس يستحيل التنكر لها أو تجاهلها ضمن تاريخ المملكة المغربية الشريفة المُمتدِّ جذوره إلى أزيد من إثني عشر قرناً من الزمان. رئيس المجلس العلمي المحلي للحسيمة عبد الخالد الرحموني، الذي كانت له كلمة أيضا ضمن ذات الندوة العلمية، إعتبر أن إسهام المجلس العلمي للحسيمة مع مجالس كل من إقليمالناظور والدريوش، له دواعٍ كثيرة أبرزها الحاجة الماسة إلى التعاون المُثمِر والبنَّاء من أجل النُّهوض بمنطقة الريف والمساهمة في مسلسل التنمية وبخاصة من الناحية العلمية والفكرية والحضارية، مشيرا إلى أن منطقة الريف كانت يَنبوعاً للعلم والعلماء. وأوضح أن مثلما كانت هذه الأرض الطيبة قلعة صمود في وجه الحركات الصليبية والإستعمارية على مدى التاريخ، كانت مكانا أيضا للعلماء والصلحاء، وأضاف أن هذا التعاون بين المجالس العلمية المحلية الثلاث يأتي في سياق تجميع الطاقات وتركيزها وتوكيد الجهود وتضافرها من أجل ضحد تلك الأفكار التي تقول بأن منطقة الريف لم تستطع أن تلد عالما مشهورا له بالعلم. وشهدت الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الأستاذ ميمون بريسول، رئيس المجلس العلمي للناظور، وعبد الله الكموني مقررا، تقديم محاضرة إفتتاحية للدكتور حسن الفكيكي، بعنوان مديرية الوثائق الملكية بالرباط: جولة عبر معالم التصوف الريفي، إلى حدود القرن الثاني عشر الهجري، حيث تطرق خلالها حسن الفيكيكي إلى مجموعة من الصلحاء الذين اشتهروا باهتمامهم بالتصوف بالريف الشرقي، ومنهم صالح اليماني، الذي نهل من المذهب المالكي أيضا. كما أشار ذات الأستاذ إلى مجموعة من المداشر والقرى التي اعتبرها عالمة تشبَّعت بالصوفية وهي قرية تغلال بتمسمان وكذا بني بويعقوب، بالإضافة إلى ازروت بني سعيد التي إشتهرت بمجموعة من الصلحاء كإسماعيل إبن سيد الناس، وكذا الزاهد صاحب الفضائل والكرامات، وتابع الأستاذ حسن الفيكيكي حديثه بالإشارة أيضا إلى أن تازروت بني سعيد عرفت هجرة نوعين من الصوفيين إليها هم الصوفية الزناتية والصوفية المشيشية. أما الجلسة العلمية الثانية والتي ترأسها رئيس المجلس العلمي المحلي للحسيمة عبد الخالد الرحموني، حيث عرفت مداخلة ثلاثة أساتذة هم، الأستاذ الدكتور محمد البركة حول موضوع "أبو محمد عبد المجيد بن أبي القاسم البادسي (ت1004ه)، أحواله وأقواله في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث تولى تقديم نبذة عن سيرة هذا العالم وأحواله، والذي أشار إلى أنه عرف عنه الزهد والتصوف والورع، وأنه أشتهر بالعديد من الأقوال والأحوال التي تطرق لها في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. أما الأستاذ الدكتور حميد فاتحي فتناول موضوع "فقهاء الريف خلال القرنين 10 و11ه: أصول وإمتداد"، وفيه تطرق لأربعة محاور هي المقاربة السيكوبوغرافية التي قال عنها أنها طريقة لإستخراج ما تتوفر عليه كتب التراجم وإعادة صياغتها، ثم محور التوزيع الجغرافي لأعلام الريف، وأشار في هذا الصدد إلى منطقتين إثنتين حصدت انتماءاتهم وهي منطقتا بني ورياغل وبطوية، أما محور المسار التعليمي بالريف الشرقي فأعطى نموذجا فيه عن العالم الريفي عيسى البطوئي، وإعتبر أن في مقارنة سخاء علماء الريف في المسار التعليمي، سنجد أن الريفيين من أهل فاس هم من زخروا بالعلم أكثر من الريفيين الآخرين. وأما فيما يخص المحور الرابع وهو الخاص بالمزاوجة بين العلم والجهاد، قدم في ذلك نموذجين من العلماء الريفيين وهم علي وارف الغساني و عبد الله بن عبد الواحد الورياغلي وما اللذان قال عنهما أنهما كان في وقت من الزمان يهتمان بالقلم، وفي وقت آخر يتجهان للجهاد. وشهدت محاضرة الأستاذ الدكتور حسن قايدة التطرق لموضوع "العطاء العلمي لبلاد الريف خلال القرن 10 ه، الفقيه علي بن ميمون الغماري الترغي نموذجا"، وفيه تطرق لواحد من رجالات هذا الربوع الذين استطاعوا أن يؤثروا بعلمهم إنطلاقا من باب التصوف، وهو واحد من العلماء غزارة تأليفا وتدريسا، وأصله من غمارة وهي منطقة تابعة لفاس، وأشار ذات المتحدث أيضا إلى مجموعة من التعريفات التي قدمها بعض التراجم عنه، وكذا بعض المغالطات التي ألصقت به. وكان مسك ختام اليوم الأول بمحاضرة للدكتور لحسن أوري في موضوع "جوانب من الحياة العلمية لبعض علماء بلاد الريف بمدينة فاس من خلال سلوة الأنفاس"، وتحدث فيها عن عالم ريفي آخر هو العلامة سيدي محمد بن جعفر والذي قال عنه أنه يعرف عند أهل العلم بشيخ الإسلام، وأضاف لحسن أوري أنه نصب للتدريس وأخذ عنه مجموعة من التلاميذ المعروفين، هاجر من المغرب إلى المدينةالمنورة، وبعدها إنتقل إلى دمشق، ليعود في آخر حياته ويمضي ما بقى منها المغرب، وأعطى أسماء لبعض مؤلفاته ومنها تلك المشهورة سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس.