تتميّز المواقع الأثرية والمعالم التاريخية بالمكانة والأهمية التي تحتلها على صعيد ذاكرة الشعوب والمجتمعات. كما تُعدّ هذه المعالم واحدة من العناصر والمؤشرات الدّالة عن ماضي وتاريخ المجموعات البشرية. إلاّ أنه، ورغم كل هذه الأهمية والدور، فإن العديد من المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية بالريف، مازالت تعيش تحت رحمة العبث بذاكرتها والطمس والمحو الذي تعرضت له على مر السنين، وكأنها أطلال لا جدوى منها ولا مكانة لها في ذاكرة ووجدان أبناء المنطقة. لا للعبث بذاكرة المعالم التاريخية في ظل هذا الوضع، وفي الوقت الذي نجد فيه كل المدن والمناطق الأخرى تصُون مآثرها ومعالمها وتُخصّصُ لها ميزانيات الترميم والإصلاح والتعريف بها، نجد العكس من ذلك تماما هو الحاصل على مستوى أقاليم الريف، بل وأن الطابع الذي ظل يميز التعامل مع هذا الموروث التاريخي هو العبث بذاكرتها وتعرضها للحفر أو الهدم والضياع والتدمير (نموذج مقر قيادة الأمير الخطابي). أو أنها تعرضت للتطاول تحت ذريعة إقامة مشاريع سياحية، وكأن المشاريع السياحية والاقتصادية لا تتحقق ولا تُنجز إلاّ على حساب طمس المعالم التاريخية لهذه المنطقة.( نموذج مدينة رمزمت الأثرية التي تعرضت سنة 2009 لأعمال تدمير وحفر ومحو). علاوة على العديد من الأسواق والأسوار والأضرحة والبنايات والقصبات الأخرى (قصبة سلوان، قصبة فرخانة،..) التي كان مصيرها الضياع والإهمال، بما في ذلك المآثر التي تنتمي للحقبة الاستعمارية الاسبانية حيث تشكِّلُ جزء من ذاكرتنا التاريخية. من أجل حماية المآثر والمواقع الأثرية لماذا لا تتدخّل المؤسسات الثقافية والجهات الوصية لحماية هذه المآثر وصيانتها وإعادة ترميمها والتعريف بها؟ ولماذا لا تخصص ميزانيات لإعداد دليل يُعرِّفُ بكنوز التراث والمآثر بالريف؟. فرغم بعض المبادرات التي يقوم بها بعض المهتمين والغيورين والهادفة لصيانة مكونات الذاكرة التاريخية، فإن الإهمال الفظيع وعبث الزمان هو سيّد التعامل مع ما يفترض أن يكون ويشكِّل عنصر اعتزاز وافتخار بالهوية التاريخية والحضارية لشعبنا، بدل النسيان والإهمال والتناسي. وإذا كانت المشاريع السياحية والاقتصادية أساس التنمية، فإن هذه الأخيرة لا يمكن أن تتحقق على حساب هدم المعالم التاريخية وتدمير البنايات والمواقع الأثرية والتي آلت إلى وضعية خطيرة على قلّتها حيث لم يتبقى منها سوى الخراب وركام الأحجار. في هذا الإطار، فقد سبق لمجموعة من الباحثين والمهتمين، كما هو الشأن لمحمد الأندلوسي رئيس جمعية أزير بالحسيمة، أن أكد في وقت سابق، أن انجاز الطريق الساحلي الرابط بين السعيدية وطنجة، كلّف تدمير ما يناهز 100 موقع أثري. كما تعد منطقة الريف، ورغم الرصيد التاريخي والحضاري والثقافي الذي تَمْلكُهُ، من المناطق القليلة التي لا تتوفر على متاحف تتولى صيانة وحفظ التحف التاريخية وتوثيقها، في انتظار إنشاء المتاحف التي أعلن عنها بكل من الحسيمة والناظور وميضار. أما قلعة ثازوضا فالوحيدة لحد الآن التي استطاعت، وبفضل مجهودات وفعاليات دقّت ناقوس الخطر والإهمال الذي كانت تواجهه معالم هذه القصبة، أن تسجّل كتراث وطني. ومع ذلك، يبقى سؤال من المسؤول عن العبث بذاكرة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية بالريف مطروحا في انتظار أن تتم المصالحة معها.