[email protected] كلما سقطت ورقة أخرى من شجرة العمر إلاّ وحاولت الالتفات إلى الخلف لعلّي أبصر بعض الزلاّت والهفوات التي ينبغي اجتنابها في قابل الأيام، ودأبت في نهاية كل سنة وبداية أخرى أن أستذكر بعض المواقف التي عشتها أو عاشها من حولي من الناس في هذا العالم الضّيق الأفق رغم ترامي أطرافه، وأن أتوقّف عند بعض المحطّات التي مررنا بها وتركت في نفسي بعض الأثر .. وأذكر أنّني في أغلب السنوات التي خلت حينما كنت أستذكر وأسترجع الأحداث التي مضت خلال فصول السنة كان يطغى عليّ جو من الحزن والتشاؤم، لكن بعد انصرام سنة 2011م، التي كانت استثنائية بكل المقاييس، سجّلت انطباعات كثيرة صبغها نوع نادر من التفاؤل والثقة في المستقبل، فتمنّيت في قرارة نفسي أن تكون شهور تلك السنة أكثر من اثنا عشر شهرا.. لكن بعد تتبّعي لمجموعة من المشاهد التراجيديا التي مرّت في سنة 2012م شلّت يدي كما شلّ جزء من تفكيري ورفضت توثيق بعض أحداث السنة ولو في مقال يتيم، لأنني إن كنت قد اعتبرت سنة 2011م "سنة أغيث فيها الناس" كما عنونت مقالا يوم انصرامها، أبيت أن أكتب مقالا بمناسبة انصرام أيام 2012م لأنني اعتبرتها "سنة خائنة"، والخونة لا يستحقّون التفاتة من الأشراف.. قلت: اعتبرتها خائنة لأنها خانت المواثيق والعهود التي أبرمت سنة 2011م وانقلبت على قيم الثورة ومبادئ الكرامة في دول "الربيع الديموقراطي"، وأجهضت أحلام الملايين من البشر التوّاقين إلى الانعتاق من قيود الظلم ومعانقة الحرية التي بحّت حناجرهم في طلبها (...). مضت 2012م والملايين من البشر الذين سئموا الظلم والاضطهاد كانوا يعتقدون أن الواحد والعشرين من شهر دجنبر فيها هو نهاية العالم، فوضع الكثير منهم أيديهم على قلوبهم منتظرين النهاية التي ستنهي مأساتهم وتنتقم من الطّغاة والجبابرة الذين عاثوا في الأرض فسادا، لكن مضت 2012م ولم ينته الظلم، ودخلت 2013م ولم يتّعظ الظلمة، بل طالت أنيابهم ومخالبهم أكثر من أي وقت مضى ... جاءت 2013م فدخل الشعب الليبي في دوامة من العنف وحنّ بعض أفراده إلى حكم "العقيد" .. وانقلب العسكر في مصر على الشرعية فخرج رئيس الأمس (مبارك) من السجن لتفتح أبوابه لأول رئيس مصري مدني منتخب (مرسي) .. وفي تونس الملهمة للثوّار و المصدّرة للثورة بدت عجلة الإصلاح تدور في مكانها بحذر شديد جراء العصي الكثيرة التي تعادي أي إقلاع حقيقي .. أما اليمن فقد دخلت في متاهات لا يعلم منفذ الخروج منها إلا الله .. وأما الشّام فقد زفّت أرواح المسلمين بالآلاف إلى خالقها سبحانها مشتكية من خانقها لعنه الله، دون أن يتحرّك الضّمير العربي أو الغربي، ذبحت سوريا في واضحة النّهار ولم تتحرّك القوى العالمية لتشجب القتل والإجرام، فأخذ شباب القرن الواحد والعشرين قلما مداده من دماء ليكتبوا على جبين التاريخ: " مات الإنسان" ويعلنوا بذلك موت الإنسانية ... أما مغربنا الحبيب فلم أعد أستغرب ما يستجد فيه من نوازل ومستجدّات، لأنه ببساطة ألفنا أن تصبح فيه "العفاريت" ملائكة، و "التماسيح" حملانا وديعة ... المهم للمفسدين "عفى الله عما سلف"، وللفقراء "وفا سلف"، وللمعطّلين "زرواطة وأسف"، ولكل المغاربة الأحرار نقول: لكم الله وكفى، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى (...). أحداث كثيرة بصمت الأيام والشهور الماضية على مستويات عدّة، وأحداث كثيرة ستبصم الأيام والشهور الآتية على مستويات عدّة كذلك .. نجاحات وإخفاقات، ابتسامات ودموع ، أفراح وأتراح، لحظات كثيرة سُجّلت وأخرى ستُسجّل، لكن ما دامت سجلات الأفراد ستندثر، وسجلات الشّركات ستُهمل، وسجلات الجماعات والأحزاب سيأتي عليها حين من الدّهر وتُنسى، وسجلات الحكّام والحكومات ستنفّذ وتُستنفذ، وسجلات الدول سيطالها ما طال الأمم السّابقة، ما دامت كل هذه السجلات ستفنى بفناء أصحابها، فإنّ السجلات المحرّرة بأيد أمينة لكرام بررة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ستبقى إلى يوم يقال لكل واحد منّا: " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"، ومادام ربّنا يذكّرنا بقوله: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه"، ويحذّرنا بلطفه: " ينبّأ الإنسان يومئذ بما قدّم وأخّر"، فلنتأمّل في توجيهه - سبحانه- : "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"، قبل فوات الأوان... سيدي القارئ الكريم وسيدتي القارئة الفاضلة، لم أجد أفضل من هذه الآيات الأربع من كلام ربّنا لأهديها لكَ/ لكِ بعد أن ذكّرت بها نفسي الأمّارة بالسّوء وأنا أستقبل سنة 2014م التي تحمل لنا من المفاجآت ما الله وحده به عليم، فلن أزيد عنها شيئا إلاّ: كل عام وأنتم إلى الحق أقرب.. والسلام. إعلامي وباحث