تحول المغرب في الآونة الأخيرة إلى بلد استقبال بالنسبة للعديد من الأوروبيين، خاصة الإسبان والفرنسيين، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة التي أضرت بالكثير من الدول الأوروبية، الأمر الذي جعل من المغرب بلد استقبال للهجرة المضادة بعد أن كان قد اشتهر بكونه بلداً مصدراً للمهاجرين السريين إلى الضفة الأوروبية. ويَفِد الإسبان خصوصاً إلى مدن شمال البلاد للعمل في مشاريع تجارية صغيرة، أو للاشتغال في قطاع الخدمات بأجور متوسطة وضعيفة مقارنة مع الرواتب التي كانوا يتقاضونها في بلدانهم الأصلية قبل تفشي الأزمة الاقتصادية، فيما يفضل أوروبيون من جنسيات مختلفة الاستقرار في مدن الجنوب خاصة مراكش وتارودانت، إلى حين مرور عاصفة الأزمة الاقتصادية بسلام على بلدهم. ويفرّ الإسبان من الركود الذي يضرب بلدهم بعنف حيث تجاوزت نسبة البطالة في إسبانيا 9%، وأفلس العديد من الشركات والقطاعات الاقتصادية، الشيء الذي دفع الكثيرين من المواطنين الإسبان إلى الهجرة العكسية إلى المغرب لأسباب كثيرة حددها محمد الهشيمي، الباحث المتخصص في قضايا الهجرة، في عوامل الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد. وعن عامل الجغرافيا، قال الهشيمي إن الإسبان يأتون إلى المغرب، خاصة مدن الشمال مثل سبتة وتطوان ومارتيل والفنيدق وشفشاون والعرائش، بسبب القرب بين البلدين، حيث لا يفصل بين هاته المدن وبين إسبانيا سوى أقل من 15 كيلومتراً هي مسافة مضيق جبل طارق، الشيء الذي لا يكلف المهاجرين الإسبان الكثير من المال في السفر والتنقل. أما عامل التاريخ، فيرى الباحث أن البلدين معاً تجمعهما روابط تاريخية وحضارية عميقة عرفت مداً وجزراً بينهما، فضلاً عن كون سكان مدن شمال المغرب خاصة يتقنون اللغة الإسبانية نتيجة الاستعمار الاسباني للمنطقة في القرن المنصرم، فيما العامل الاقتصادي يظل مهما لأن الأسعار والمعيشة في مدن شمال البلاد تظل في متناول الاسبان المهاجرين في حالة اشتغالهم في بعض المهن والقطاعات التي تدر عليهم أجوراً متوسطة. ويشتغل أغلب الإسبان المهاجرين إلى شمال المغرب في ثلاث قطاعات رئيسية: هي السياحة والبناء والخدمات، حيث يدشن المهاجرون الذين فروا من نيران الأزمة في بلدهم مشاريع تجارية صغيرة لها علاقة بالسياحة في المدن الشمالية، أو مقاولات صغيرة في البناء والعقار، وأيضاً في شركات لتقديم الخدمات أو في بعض الفنون والمجالات الثقافية والتعليمية. وليس الإسبان وحدهم من أضحوا يحرصون على الهجرة إلى المغرب في ظل الأزمة المالية التي تضرب منطقة اليورو، بل أيضاً الهولنديون والفرنسيون خاصة، حيث يأتي بعضهم للاستقرار في المغرب بسبب سهولة التواصل اللغوي، لكون المغاربة يتقنون الفرنسية كلغة ثانية بعد العربية، وأيضاً لمستوى العيش الذي يناسب إمكاناتهم، دون الحديث عن الفرنسيين من ذوي المداخيل المرتفعة الذين يفدون إلى مراكش للاستثمار من خلال شراء منازل ومساكن فخمة يحولونها إلى بيوت وإقامات سياحية تدر عليهم أرباحاً هامة. ويرى الدكتور عبدالكريم بلكندوز، الخبير في شؤون الهجرة، أن المغرب هو بلد مصدر للهجرة، ولكنه أيضاً بلد عبور بالنسبة للأفارقة من جنوب الصحراء الذين يجيئون إلى المغرب كمرحلة وسيطة في انتظار التحاقهم بإسبانيا، لكن بسبب الظروف الاقتصادية الحالية صار هؤلاء الأفارقة يستقرون بدورهم في البلاد، ثم أيضاً هو بلد إقامة سواء شرعية أو غير شرعية للعديد من المهاجرين من مختلف البلدان. وأشار الخبير إلى أن المغرب مُطالب بحماية حقوق المهاجرين الأجانب المقيمين على أرضه، تماماً كما يعمل على صون حقوق مواطنيه المهاجرين في أوروبا، مضيفاً أن الدستور الجديد منح للمهاجرين الأجانب القانونيين حقاً هاماً يتمثل في إمكانية المساهمة في الانتخابات البلدية. وفي غياب إحصائيات رسمية لعدد المهاجرين الاسبان مثلاً إلى المغرب، فإن الأرقام تتحدث عن كون الجالية المغربية تعد الأولى من حيث العدد والحجم في إسبانيا، وقد اختار نحو 150 ألف فرد من هذه الجالية العودة إلى المغرب نتيجة مخلفات الأزمة الاقتصادية في إسبانيا.