كم كان خيالك واسعا أستاذي جورج أورويل!!! خيال واسع لدرجة أنك استشرفت المستقبل البعيد، بعيدا عن مدح أنظمة غارقة في الإستبداد...أحسنت صنعا وأنت تهندس لروايتك"مزرعة الحيوان"، ولجت عالم الحيوان الذي يشبه الى حد التماهي عالم الإنسان، عالمان متداخلان، يترنحان بين القبضة الحديدية والفتك الشديد...ما بين "مزرعة الحيوان" ودولة بشار الأسد خطوط متشابكة وفي أقصى التماس... لامست الواقع وأنت تهز عرش الخيال لتحلق مع وحيه الصافي عبر ربوع "مزرعة الحيوان"...تلكم الرواية التي تقدم حكاية أمثولاتية رويت على لسان الطيور والحيوانات... قد لا نفي شخصيات الرواية حقها، ونحن نعمل مقص الاختصار لنحتفظ بجوهر المقالة...ثارت الحيوانات، وهي تعيش أقصى الإضطهاد من طرف مالك المزرعة (السيد جونز) الذي شرب من نقع الديكتاتورية المقطبة بجرعات من النازية، استنزف جهد الحيوانات وعملها بعد أن أذاقها أنواعا شتى من الإستغلال البشع...طغيانه هذا أدخله عالم الرأسمالية المستغلة من أوسع أبوابها العريضة...ضاقت المزرعة من بطش السيد(جونز)، يبس الكلأ من شدة الحروب الطاحنة، طردت الحيوانات رمز الاستبداد ومن معه من الأزلام، قررت أن يكون خير المزرعة لمن يعمل فيها؛ أي الحيوانات نفسها، ومن ثم فقد تولت مسؤولية تنظيم المزرعة وإدارتها، ووزعت العمل والإنتاج فيما بينها. ترى من يكون القائد المفدى من زمرة الحيوانات؟ ما موقع الأسد في هرمية السلطة؟... عين الخنزير نفسه بالقوة زعيما للحيوانات، أصبح شعار الثورة:"ياحيوانات العالم اتحدوا"، وفي صباح كل أحد يلجلج النشيد في سماء المزرعة، بالإضافة الى الوصايا السبع التي تمثل دستور الحيوانات بعد الثورة....بالإجمال: قائمة عريضة حبلى بشعارات الثورة، وقواميس أخرى تنضح بأدبيات الانتفاضة...صديقي (أورويل) سامحني وأنت في عالم الغيب وعظامك النخرة تلاشت في بطن اللحد أن أسألك، ورب السماء، سؤالا من يبتغي فهم عالم الإنسان...هل الإنسان منزه عن طبائع ونوازع الحيوان؟ لا نزكي أحدا على الله...ما يجري في دمشق الحضارة.. وإدلب الأبية.. وحمص الثائرة...يعكس بالواضح المكشوف نفسية الأسد..أسد حاصرته الجماهير حولا كاملا وهو لا يأبه بما يجري من الدماء الزكية وهي تشرشر تحت الجسور من الكلام المنمق من قبيل: المصالحة الوطنية، المراقبة الدولية، البعثة العربية، الوساطة...ال"فيتو"الروسي..الدب الروسي على الخط رغم البرد القارس...انشقاقات متوالية، كحمم البركان، في صفوف الجنود تنذر بتكرار سيناريو ثورة ليبيا المظفرة، استمرار المظاهرات والمسيرات تضيق الخناق وتعمي بصيرة طبيب العيون، طبيب أصيب بعمى الألوان، وما عاد يميز بقصفه العشوائي بين المآذن والتجمعات السكنية...هل من طبيب ماهر للعيون ليزيل عمش وغبش الرئيس؟ إنه مهما طال الأمد سوف يطرد الأسد كما طرد السيد( جونز) من "مزرعة الحيوان"...هل يحق للإنسان أن يستفيد، ولو مؤقتا، من تصرفات بعض الحيوانات؟ بعبارة أخرى ما المغزى العميق من الرواية؟ هل نستعير منهجية التفكيك لفك لغة الرواية؟ أم نستنجد بعلماء النفس لسبر أغوار نفسية "الأسد"؟ أبمقدورنا أن نحدد مآلات الأسد وهو محاصر بين الإنشقاقات والعصيان الرهيب؟... تنطوي "مزرعة الحيوان" على نقد عميق للتضليل الذي تمارسه اللغة. لقد رأينا كيف حاول قادة البعث أن يضللوا، لعقود طويلة، شعب سوريا العظيم من خلال لغة الخشب. وهو نفس الدور الذي تلعبه القوة/الحيلة في سرقة الثورات الشعبية؛ والمثال الساطع في الوقت الراهن ما قام به علي عبد الله صالح من مراوغة لشعبه...وما يقوم به المجلس العسكري في مصر من محاولة لسرقة الثورة من أصحابها الحقيقيين..يقول جورج أورويل("...لقد صممت اللغة السياسية لكي تجعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق، ولكي تقتل ما هو جدير بالاحترام...").نعم الإحترام، كل الإحترام لكل الحيوانات باستثناء" الأسد" الفتاك.....السفاك...