يعيش المغرب حالياً موجة برد وصقيع لم يسبق لها مثيل في البلاد منذ سنوات عديدة، أفضت إلى عزل قرى وبوادٍ بأكملها عن محيطها الخارجي بسبب محاصرتها من طرف الثلوج الكثيفة التي سدت جميع الطرق والمنافذ المُتاحة للوصول إليها ونجدتها عبر المساعدات المختلفة الرسمية منها وغير الرسمية. ويعيش سكان المناطق الجبلية، خاصة في جبال الأطلس المتوسط والكبير، على إيقاع معاناة اجتماعية ونفسية شديدة بسبب التهاطل الاستثنائي للثلوج في شهر فبراير، ومن فرط البرد القارس الذي يعمّ في الفترة الراهنة جلّ أنحاء البلاد، حيث توقع خبراء الأرصاد أن تبلغ درجات البرد ذروتها يومي الأربعاء والخميس 8 و9 فبراير، وقد تستمر إلى يوم الأحد المقبل. وحطمت موجة البرد أرقاماً قياسية في تاريخ المغرب، وامتدت من طنجة شمالي البلاد إلى مدينة السمارة في الجنوب، وبلغت أحياناً أقل من 10 درجات في بعض المناطق الجبلية، بسبب قدوم كُتل هوائية باردة جداً من القطب الشمالي نحو المغرب، مروراً عبر أوروبا الشرقية والوسطى. وتعرضت "دَواوير" وقرى جبلية بأكملها في جبال الأطلس وسط البلاد للعزل عن العالم الخارجي، منها مثلاً منطقتا "تونفيت" و"أنفكو" بالقرب من مدينة خنيفرة، ومنطقة "أحنصال" وغيرها من البوادي التي تجاور مدينتي أزيلال وبني ملال، وذلك نتيجة إغلاق الكميات الهائلة من الثلوج للطرق والمسالك غير المُعبَّدة أصلاً لمواصلات عادية وسليمة. ونجم عن هذا الوضع الصعب خلال فصل الشتاء الحالي انقطاع شبه كامل لتواصل سكان هذه المناطق الجبلية والمهمشة اجتماعياً مع العالم الخارجي، كما انقطعت المؤن عن الأهالي، وتعذرت تنقلات السكان لقضاء أغراضهم ومصالحهم الخاصة في المراكز الحضرية القريبة، ما زاد في تفاقم وتدهور وضعيتهم الاجتماعية العسيرة. وتتجلى أيضاً معاناة سكان هذه المناطق الجبلية المتضررة من موجة البرد والصقيع في صعوبة العثور على التدفئة سواء للبيوت أو للمدارس البعيدة، لفقدان الحطب والخشب أو المازوت الكافي لهذا الغرض، الأمر الذي أدى إلى مشاكل صحية خاصة بالنسبة لكبار السن أو للأطفال الصغار، فضلاً عن معضلة التسرب المدرسي التي تمسّ فئة كبيرة من التلاميذ، خاصة الإناث منهم. وتسبب البرد الشديد والثلوج المتراكمة في مضاعفة معاناة مرضى تلك المناطق المنكوبة، حيث يعجزون عن التنقل إلى العلاج في المستوصفات ومراكز العلاج التي توجد في المدن المتوسطة التي تجاورها، وكانت امرأة حامل في ضواحي مدينة أزيلال قد فقدت جنينها قبل أيام قليلة بسبب تعرضها لنزيف حاد، ولم تستطع التنقل إلى أقرب مستشفى بالمدن المجاورة بسبب حصار الثلوج لقريتها، فأتت النجدة بفضل تدخل مروحية للدرك الملكي التي نقلتها إلى مستشفى مدينة مراكش لإنقاذ حياتها من خطر الموت. ودفعت هذه الوضعيةُ المزرية للعديد من المداشر والمناطق الجبلية في أوج موسم البرد والثلوج، الدولةَ للمسارعة في تقديم يد العون بشكل عاجل إلى السكان المتضررين، حيث أطلقت مؤسسة محمد الخامس للتضامن برنامجاً خاصاً لفائدة سكان منطقة تونفيت بمدينة الخنيفرة خلال الأسابيع الحالية. ووصلت عملية المساعدة الرسمية هذه أكثر من 5000 أسرة لعشرات المداشر، وتتضمن مواد غذائية وأغطية وملابس شتوية، وصلت ميزانيتها إلى أكثر من 5 ملايين درهم، كما أطلقت المؤسسة ذاتها أمس الأربعاء 8 فبراير برنامجاً خاصاً، بمشاركة وزارة الداخلية والدرك الملكي، للبدء في تقديم المساعدات اللازمة لسكان المناطق الجبلية في منطقتي أزيلال وبني ملال، ثم لباقي المناطق المتضررة الأخرى في البلاد.