جرت يوم 25/11/2011 الانتخابات التشريعية في المغرب كنتيجة مشرفة بعد إجراء المراجعة وإقرار التعديلات الدستورية التي جاء بها دستور 2011 ، الذي تضمن مستجدات متنوعة ومهمة من شأنها تفعيل المؤسسات الدستورية وفتح افاق جديدة نحو حياة سياسية متطورة ، على رغم ما يمكن ان يشار لهذا الدستور من ملاحظات عليه ، إلا انه حضي على إجماع وطني من جانب مختلف القوى والأحزاب السياسية المعروفة في الساحة الوطنية سواء من جهة أحزاب المعارضة أو أحزاب الإتلاف الحكومي . وبعيدا عن الدخول في شرح تفاصيل المواد الدستورية الجديدة وما ستحققه من نتائج ايجابية على مختلف الصعد ، سأركز المقال على إبراز ابعاد أجراء الانتخابات التشريعية والدروس والعبر المستخلصة منها وذلك في الأتي :- 1- ان هذه الانتخابات جرت في ظل تحولات وطنية أكدت عمق أصالة الشخصية الوطنية المغربية التي عرفوا بها بكونها شخصية متميزة على مر التاريخ وحافظت على هذا التميز واستمراره منذ القرن السابع للميلاد يوم اعتنق المغاربة الإسلام بصدق وإخلاص وتفاني في الذود عن حياض الدين والوطن ، وكانت قيادة شعب المغرب على مر التاريخ وحتى يومنا هذا مغربية عربية إسلامية ؛ لدرجة يكاد يكون المغرب هو البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي تولى أهله الحكم ولم يسمحوا للأجنبي بذلك باستثناء فترة الحماية ( 30/3/1912 – 3/3/1956 ) . 2- صمود الشخصية المغربية إمام رياح التداعيات الإقليمية التي سميت برياح الربيع العربي واستيعابها والتي شملت تونس وليبيا على وجه التحديد ودول أخرى فضلا عن ضغوطات المناخ الدولي ، هذا الصمود يعكس إيمان المغاربة بدورهم التاريخي الذي لم يقبل أن يكون يوما الآ سيد نفسه ، ولن يقبل الآ ان يكون حاكمه ( السلطان أو الملك ) الا مغربيا عربيا مسلما . 3- صيانة شعب المغرب الأبي لحريته والمحافظة عليها وتوفير ضماناتها من خلال إقرار دستور 2011 وإجراء الانتخابات الحالية ، وما أبداه المغاربة من سلوك ايجابي متحضر و واعي للتحديات التي تواجهه بالعقل والشجاعة والتروي والحكمة إلا دليل الوعي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية. 4- أكد إجراء هذه الانتخابات اعتزاز المغاربة وثقتهم بالمؤسسة الملكية وتحقيقهم لمستوى عال من التوافق مع رؤى الملك محمد السادس الذي تجلى في التوصل من خلال الحوار الايجابي المسؤول إلى إقرار الإصلاح الدستوري بعيدا عن ممارسة العنف . 5- تمسك المغاربة بالملك محمد السادس في قيادتهم الذي ينحدر من أصول ذات أرث تاريخي في الحكم ضارب في أعماق التاريخ المغربي على مدى أكثر من ثلاثة قرون ونصف من تاريخ المغرب ،هو الآخر يؤكد تميز الشخصية الوطنية المغربية وثباتها على منظومة القيم العربية الإسلامية الأصيلة . 6- أكدت هذه الانتخابات مصداقية تمسك المغاربة والمؤسسة الملكية بالثوابت الدينية والوطنية والسياسية التي تعززت بالديمقراطية وحقوق الإنسان التي اتفقوا عليها منذ دستور 1992 كقواسم مشتركة للعمل السياسي والمشاركة في السلطة وممارستها . 7- عكس إجراء هذه الانتخابات مصداقية مشاركة الحركة الإسلامية المغربية المعتدلة في العملية السياسية من اجل النهوض بالمسؤولية الوطنية تجاه المجتمع ، وفوزها ممثلة بحزب العدالة والتنمية بأعلى نسبة في المقاعد البرلمانية وهذا دليل على صحة حضورها وثقة الشعب فيها . 8- ان مقاطعة حركة 20/ فبراير للانتخابات التشريعية تبرز علامة ايجابية في الشخصية الوطنية المغربية كونها ترى ان الانتقال الديمقراطي ما يزال يحتاج إلى تفعيل أكثر، ومع ذلك فأن هذا الموقف يعكس تطلعا ايجابيا يبحث عن المزيد من الإصلاح الدستوري وتوزيع السلطة لتحقيق مستوى أعلى من الرفاه الاجتماعي ، وحق الاختلاف هذا مؤشر ايجابي ومشروع طالما يمارس في إطار السلوك الايجابي السلمي للحركة . 9- إجراء هذه الانتخابات فوت الفرصة على خصوم العملية السياسية في داخل المغرب وخارجه ، وعكس مستوى الوعي العالي لدى جلالة الملك محمد السادس في استيعاب الحراك الشعبي الناجم عن الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعرض لها المغرب مطلع هذا العام وتقديم الأجوبة المقنعة للمطالب الشعبية المشروعة والتي حظيت بمباركة مؤسسات الدولة والمجتمع وتوجت بالإصلاح الدستوري . وبأجراء هذه الانتخابات التشريعية يسجل المغاربة انتصارا تاريخيا يضاف لمنجزاتهم الوطنية وتأكيدا جديدا على أستمرار تميز الشخصية الوطنية المغربية ، نظرا لما يحمله هذا الموقف من توجهات جديدة تتماشى مع التطور الذي يشهده المجتمع المغربي ومع العهد الجديد الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس بأفكاره النيرة التي أفرزت هذا التغير الايجابي على صعيد دمقرطة النظام السياسي وضمان نزاهة الانتخابات وحقوق الإنسان التي تفتح الباب للتأسيس لشروط الانتقال الديمقراطي الحقيقي وإمكانية ممارسة تحقيق التناوب السياسي الديمقراطي على السلطة المرتبط أساسا بتطوير الأداء الانتخابي وإنضاج الفكر لإعطاء فعالية أكثر للممارسة السياسية . وأخيرا ، لابد من القول ، ان التطورات السياسية والتشريعية والمؤسساتية التي سيشهدها المغرب في ضوء دستور 2011 وما تمخضت عنه هذه الانتخابات ستجعل المغرب لامحال بلد الاستقرار والحريات العامة وسيكون الأنموذج الذي يحتذى به في عالم الجنوب في ميدان التطلع نحو ترسيخ دولة الحق والقانون . ومبارك للمغاربة شعبا وملكا وحكومة على هذا الإنجاز ألتأريخي . * أستاذ العلوم السياسية / جامعة بغداد