مرة أخرى اختار صاحب الجلالة التوجه إلى الأمة في عيد العرش بخطاب الشفافية والوضوح، وذكر الشيء بالشيء، باستعمال لغة واضحة ومصطلحات دقيقة ومفهومة بعيدا عن الرموز ولغة الخشب؛ ومرة أخرى يعود أمير المؤمنين إلى تأطير المشهد السياسي المغربي ووضع اليد على بعض الممارسات التي تؤثر سلبا على المسار الديمقراطي، والتي لا ترقى أن تكون في مستوى النموذج الديمقراطي المغربي الذي نصبو إليه. لقد وضع جلالة الملك مرة أخرى النقاط على الحروف وهو يؤكد أنه ليس طرفا في العملية الانتخابية، ونأى بنفسه عن أي انتماء حزبي، وشدد على أن دوره يكمن في السهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وعلى أنه ملك لجميع المغاربة؛ مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون، داعيا بوضوح إلى تفادي استخدامه في أي صراعات انتخابية أو حزبية، وإلى عدم الركوب على الوطن لتصفية الحسابات الشخصية الضيقة. إن الممارسات السياسية اليومية، والتراشق اللفظي الذي لم يعد يقتصر فقط على الحملات الانتخابية، والرغبة الهوجاء في الظفر بمقاعد انتخابية بجميع الطرق، أصبح أمرا يندى له الجبين، ويتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويضرب مصداقية المؤسسات ويضر بصورة المغرب في الخارج. ولعل تدخل أعلى سلطة في البلاد من أجل التنبيه إلى هذه الانزياحات والصراعات الضيقة يتطلب من جميع القوى الحية، سياسية كانت أو مجتمعية، أخذ الأمر مأخذ الجد والعمل على ترسيخ ممارسات سياسية تشرف مسلسل الديمقراطية في المغرب، وتضع نصب أعينها مصلحة المواطن والوطن قبل أي مصلحة أخرى، فردية كانت أم حزبية أم إيديولوجية، خصوصا أننا مقبلون على الانتخابات البرلمانية. من جهة أخرى فإن المغرب أضحى في سياق دولي متسم بالأزمات والتوترات نموذجا بارزا على الصعيد الاقتصادي؛ ولا أدل على ذلك من عدد الاستثمارات والمشاريع الأجنبية الكبرى التي احتضنتها البلاد في الآونة الأخيرة، وآفاق الاستثمار التي تفتحها مدعومة بالاستقرار السياسي والاجتماعي والأمن والسلام الذي تنعم به؛ ما جعلها تنفتح على شراكات دولية جديدة في أسيا وإفريقيا وأوروبا، مع الحفاظ على علاقاتها الوطيدة مع حلفائها التاريخيين؛ وهو ما عزز مكانتها في العلاقات الدولية وأعطاها مكانة مرموقة في المؤسسات العالمية، ستزيد من تقويتها لا محال عودتها إلى منظمة الدول الإفريقية... إنه لمن من الطبيعي أن تثير هذه الخطوات سعار الخصوم وترفع منسوب المؤامرات الرامية إلى التشويش على نموذج المغرب التنموي، وعلى دوره كفاعل رئيسي في ترسيخ الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وتزيد من منسوب الابتزاز. علينا في هذا الصدد، وكما دعا إلى ذلك صاحب الجلالة في خطاب العرش، مواصلة اليقظة والتعبئة للتصدي لهذه المناورات ومواصلة تفعيل النموذج التنموي، ومواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة. صحيح أن المسار طويل وشاق، وليس مفروشا بالزهور، لكن بالعزيمة والوحدة والتضامن بين جميع المكونات والعمل المتواصل والجاد بين جميع المغاربة داخل الوطن وخارجه فإننا قادرون على المضي قدما لتحقيق النمو والازدهار، لنكون بحق نقطة ضوء مشرقة في عالم يتجه نحو العتمة. *الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج