استقطب المغرب في السنوات العشر الأخيرة تدفقات مالية بلغت 50 بليون دولار، وضعته في المرتبة الثانية كأكبر سوق استثمارية في أفريقيا وجنوب البحر الأبيض المتوسط، تركزت في قطاعات الاتصالات والسياحة والعقار والبناء والأشغال الكبرى والبنية التحتية والموانئ والمطارات والنقل والسدود وتكنولوجيا الإعلام وصناعة أجزاء السيارات والطائرات. ولفت محللون إلى أن الملك محمد السادس، الذي تصادف مناسبة مرور عشر سنوات على اعتلائه العرش في 30 الجاري، كان أكثر اهتماماً بالقضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية طيلة هذا العقد، وتميز بمتابعته الشخصية للاستثمارات المحلية والدولية، ما مكّن البلاد من تحقيق ما تقدم. وساعد برنامج التنمية البشرية الذي طرحه العاهل المغربي عام 2005 ، على تقليص معدلات الفقر إلى النصف من 18 الى 9 في المئة من مجموع السكان، عبر برامج واسعة لتحسين معيشة سكان الأرياف والمناطق النائية وتعليم الفتاة القروية، كلفت 10 بلايين درهم واستفاد منها 3.5 مليون شخص. وأفادت إحصاءات رسمية بأن المغرب حقق نمواً اقتصادياً بمتوسط 5 في المئة سنوياً طيلة الفترة، في مقابل 2.6 في المئة في العقد الأخير من القرن العشرين. وتضاعف إدخار الأسر مرتين وازداد الدخل الفردي 50 في المئة في المتوسط. وأشار تقرير أعدّته المندوبية السامية في التخطيط، إلى أن النمو الاقتصادي بين 1998 و2007 ، «ارتكز على زيادة الطلب (الاستهلاك) الداخلي للأسر، وارتفاع تكوين رأس المال الثابت، وتحسين الأجور 6.3 في المئة سنوياً، وتوسع مجال العمل في ظل مشاريع الاستثمار بمعدل 2.8 في المئة سنوياً، ما قلّص معدلات البطالة الى ما دون 10 في المئة. وتحسنت القدرة الشرائية للأسر يدعمها النظام المصرفي بتقديم قروض للتجهيز والاستهلاك والتملك العقاري، تجاوزت 580 بليون درهم ( 73 بليون دولار) حتى النصف الأول من هذه السنة أي ضعف قيمة الموازنة العامة للدولة، التي تضاعفت مرتين في العقد الأخير. في حين تراجع النمو الديموغرافي الى اقل من اثنين في المئة. واستفادت الأسر المغربية من برامج السكن الاجتماعي ومشاريع العقار بتملك شقق ومساكن ومنازل ثانوية، وبات 60 في المئة من المغاربة يملكون منازلهم الشخصية. ونتج عن زيادة الإنفاق والتملك ظهور طبقات وسطى كبيرة في المدن، تشكل 53 في المئة من مجموع السكان بمعدل إنفاق شهري يبلغ 800 دولار. ولاحظ محللون أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، أفضل مما كانت قبل عشر سنوات، مستفيداً من التحسن الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي (قبل ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية). وتنافست الشركات الأوروبية والعربية على الاستفادة من حركة السوق المغربية والمشاريع التي تعرضها الحكومة والشركات العامة والبلديات، وتجاوزت قيمتها تريليون درهم ( 125 بليون دولار) خلال عشر سنوات. وفي حين اهتمت الشركات الأوروبية بمشاريع البنية التحتية والصناعات الحديثة، ركزت المجموعات العربية على العقار والسياحة والترفيه والمنتجعات بقيمة تجاوزت 16 بليون دولار بين 2005 – 2008 ، وتضرر بعض هذه المشاريع بأزمة المال والاقتصاد العالمية، وهي تمثل مجال مفاوضات مع شركات بديلة. وكان العاهل المغربي أشرف شخصياً على توقيع معظم برامج الاستثمارالعربية، التي مُنحت تسهيلات استثنائية في إطار دعم الاستثمارات العربية البينية. ودخلت الشركات العربية للمرة الأولى سوق الاتصالات المغربية. ويرى مستثمرون كثر أن المغرب بوابة أساسية الى جنوب المتوسط والمغرب العربي وبقية مناطق أفريقيا جنوب الصحراء، ويستفيد المستثمرون من الوضع المتقدم الذي منحه الاتحاد الأوروبي للرباط، وهي صيغة وسطى بين الانضمام ومجرد الشراكة الاقتصادية والتجارية. وارتبط المغرب باتفاق المنطقة الحرة مع الولاياتالمتحدة وآخر مع تركيا ودول إعلان «أغادير»، التي تضم مصر والأردن وتونس. وأشار تقرير حكومي إلى أن رصيد المبادلات التجارية من السلع والخدمات سجل عام 2007 عجزاً، وأدى الانفتاح التجاري إلى زيادة الواردات وارتفاع كلفة الاستهلاك. واستفاد الاقتصاد المغربي من سياسة التدفقات المالية، التي ظلت تتزايد 15 في المئة حتى النصف الثاني من العام الماضي، بداية الأزمة. ولاحظ ارتفاع الدخل الوطني الإجمالي المتاح 6.6 في المئة سنوياً بين 1998 -2007 ، بزيادة ملموسة لتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج، وتساهم هذه الموارد البالغة 7 بلايين دولار العام الماضي الى جانب السياحة (ثمانية بلايين)، في تمويل عجز الميزان التجاري المقدر ب 13 بليون دولار من دون الطاقة. ويميل صندوق النقد الدولي الى تصنيف الرباط من ضمن الدول العربية المتعددة الموارد الخارجية والأقل تضرراً من الأزمة العالمية، ويتوقع المغرب تحقيق نمو 5.3 في المئة نهاية هذه السنة، على ان يتراجع الى 3.4 في المئة عام 2010. وأعلن وزير المال والاقتصاد صلاح الدين مزوار في تصريح إلى «الحياة»، أن «العالم بدأ يخرج تدريجاً من الأزمة الدولية وتبعاتها»، معتبراً أن «المنافسة على استقطاب رؤوس الأموال والاستثمارات ستكون قوية بعد الأزمة، التي تستفيد منها الدول التي أنجزت الإصلاحات الضرورية والعميقة». وتوقع أن يكون المغرب من الدول المستفيدة من مرحلة ما بعد الأزمة بسبب «صلابة النظام المصرفي ومتانة الحسابات الماكرو اقتصادية». ورجح أن «يقترب النمو من 4 في المئة في 2010 ، على ان يتراجع العجز في الموازنة الى ما دون 3 في المئة، والتضخم 2.5 في المئة». وسيكون الإنتاج الزراعي حاسماً في تحديد حجم النمو الاقتصادي العام المقبل، إذ يتأثر المغرب بالتقلبات المناخية أكثر من التقلبات المالية الدولية، فهو يكاد يكون اقتصاد يعتمد على الماء والمطر، على رغم تراجع حصة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي الى ما دون 14 في المئة، بفعل توسع الخدمات الى 53 في المئة وانتقال سكان البوادي الى المدن الجديدة وتغيير نظم العيش الحديثة. وتبقى اكثر تحديات المغرب متمثلة في مواجهة التقلبات المناخية وشح مصادر المياه، إضافة إلى تأمين فرص عمل كافية للأجيال المقبلة ( 400 ألف فرصة عمل جديدة سنوياً)، وتقليص الهوة بين الأثرياء والفقراء في بلد يجمع تناقضات اجتماعية وثقافية كثيرة، نظراً إلى وضعه الجغرافي بين الشمال الأوروبي والشرق العربي والجنوب - إفريقي والغرب الأطلسي الأميركي. ويحلو للبعض اعتبار سر نجاح التجربة المغربية في محاولة الموافقة بين الأصالة التاريخية والحداثة العصرية.