، تحول في الخطاب الديبلوماسي وتغيير في مسار الدفاع عن القضايا الوطنية المصيرية. بقلم الاستاذ عبد الوافي الحراق رئيس الكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والاعلام الالكتروني
خير وسيلة للدافع عن النفس هو الهجوم، هذه قاعدة متداولة في فنون الدعاية والحرب والتخطيط الاستراتيجي، وهذا ما نهجه ممثل المغرب لدى الأممالمتحدة السيد عمر هلال، وأثار بذلك حفيظة وزارة خارجية العسكر الجزائري. وحقيقة كان على المغرب اعتماد هذا الأسلوب في الدفاع عن الوحدة الترابية لسنوات خلت ضد سياسة النظام الجزائري، المتعنت والمتمادي في اعتداءاته على سيادة المملكة المغربية على مناطقها الجنوبية. حيث كان على محمد الخامس رحمه الله مطالبة فرنسا بالاعتراف بحدود المغرب إلى ما قبل دخولها إلى الجزائر، لاسيما وأن فرنسا هي من بادرت إلى مطلب ترسيم الحدود مع المغرب في فترة احتلالها للجزائر. لكن وطنية وعروبة الملك محمد الخامس جعلته يرفض أي تقسيم للحدود، إلا بعد حصول الشعب الجزائري على استقلاله وحريته. وعندما حصل هذا الأخير على استقلاله وتولى سيادة حكمه بيده، لأول مرة في تاريخه، بعد أكثر 300 سنة قضاها تحت حكم الأمبراطورية العثمانية و100 سنة تحت الاحتلال الفرنسي. هذا إذا لم ندخل في الحسبان أنظمة الحكم التي تعاقبت عليه قبل ذلك، على يد القرطاجيين والرومان والوندال والبزنطيين. وللأسف قوبل هذا الموقف المغربي الشجاع، والتصرف البطولي للسلطان محمد الخامس، بنكران الجميل والخيانة العظمى من طرف جينرالات الجزائر. الذين شنوا حربا عسكرية على المملكة المغربية بسنة واحدة بعد حصولهم على الاستقلال. وهي الحرب التي سميت بحرب الرمال سنة 1963. كما كان على المغفور له الحسن الثاني المطالبة بالصحراء الشرقية لتأمين الصحراء الغربية المغربية، كاستراتيجية هجومية للحصول على الحقوق الشرعية. بالرغم من أن التاريخ الجغرافي والثقافي والقبلي يؤكد أن عددا كبيرا من المدن الجزائرية المترامية بالجهة الشرقية من الصحراء المغربية، كانت تابعة لسيادة المملكة المغربية. لكن نوايا الجزائر المبيتة، وأطماع اسبانيا الجشعة، وسياسة فرنسا التقسيمية، دفعت المغرب آنذاك، من موقع الدفاع وسياسة الهدنة، وعدم فتح جبهات متعددة، إلى الاعتراف بجمهورية موريتانيا. لإفشال مخطط اسبانياوالجزائر، وتحرير مجموعة من المدن المغربية، التي كانت ترزح تحت وطأت الاستعمار الاسباني. ومنها سمارة والساقية الحمراء وسيدي إفني والداخلة، وغيرها من مدن الصحراء المغربية. وكانت المسيرة الخضراء التي أبدعها الحسن الثاني رحمه الله، بمثابة الضربة القاضية للأطماع الاستعمارية الاسبانية. ولكن وللأسف مرة أخرى تأتي الخيانة من البلد العربي المسلم الجزائر، باصطناعها لكيان وهمي، كردة فعل على نجاح المسيرة الخضراء المظفرة، وانصاف محكمة العدل الدولي لاهاي للمغرب. فيما كانت سياسة محمد السادس نصره الله تجاه قضية الوحدة الترابية مختلفة تماما عن ابويه، ويمكن توصيف منهجيته بالمواجهة السياسية والاندفاع الحكيم، إذ وجه الاتهام بشكل مباشر إلى الجزائر، وأسقط قناع وجهها المستخفي وراء مطلب حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، واعتبر أن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية يقوده حصريا النظام العسكري الجزائري، الذي يعد طرافا أساسيا وخصما معاديا لوحدة المغرب الترابية. كما يمكن اعتبار، اقتراح المغرب للحكم الذاتي بمثابة تحد وتصد لكافة المناورات والتحايلات التي تمارسها الجزائر، ومن في فلكها بغرض تضليل الرأي العام الدولي. لكن بعد جائحة كرونا يبدو أن ملامح التحول والتغيير في الشخصية الديبلوماسية والسياسة الخارجية للمملكة المغربية ستكون أكثر جرأة واندفاعا، سيما في طريقة طرح ومعالجة القضايا الوطنية المصيرية. على خلاف ما كانت تعتمده في سياستها الخارجية، من ضبط للنفس والتحلي بالصبر، والنفس الطويل وعدم الرد بالمثل، تجاه ما يقوم بها النظام العسكري الجزائري من محاولات ابتزازية وممارسات عدائية لتقسيم الوحدة الترابية. وهي نفس الأساليب المعتمدة على الكيل بمكيالين، التي تنهجها اسبانيا من تحت طاولة سياستها الخارجية. وهذا التحول في الملامح السيادية للدولة المغربية، الذي أملته الظروف الصحية العالمية، ليس فقط على مستوى التحديات الصحية والاجتماعية التي تمت بها مواجهة وباء كوفيد19، بما في ذلك تحديات الاكتفاء الذاتي في مجال صناعة الكمامات وأجهزة الاكسيجين، وغيرها من الإكراهات التي فرضتها الجائحة. وإنما على وجه التحديد في التغيير الكبير والمفاجئ الذي طفا على سطح الديبلوماسية المغربية والسياسة الخارجية، في التعامل مع القضايا الوطنية السيادية، وفي مقدمتها الوحدة الترابية. مما يعطي انطباعا على أن مغرب ما بعد كورونا، سيكون مغربا مغايرا، أكثر جرأة وقوة وصرامة في الدفاع عن حقوقه الوطنية والدولية المشروعة. لذلك يبدو أن المغرب الديبلوماسي، لم يعد يعير أي اعتبار أو احترام، أو تسامح مع من يتطاول على حرمة ترابه الوطني. ويتجلى هذا التحول للسياسة الخارجية في المواقف الأخيرة، التي اتخذها المغرب في حق كل من المانياواسبانياوالجزائر. وهي دول تتمادى لسنوات في معاكسة سيادة المغرب على صحراءه، وتتطاول على شؤونه الداخلية. علما ان كل من هذه الدول هي نفسها تعاني داخليا من دعوات الانقسام والانفصال، كدعوات "كتالونيا" و"القبايل" ومشاكل التعايش المزدوج، الصعب والغريب، في بلدة "بوزنغين أم هوخراين" السويسرية الألمانية. وفي المقابل، لم يثبت على المغرب ان تدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان. فبينما تمادت ألمانيا مؤخرا في معاكسة الاعتراف بسيادة المغرب على صحراءه، في الوقت الذي سارعت كبريات دول العالم بإقرار شرعية سيادته على مدنه الصحراوية. وإقبال عدة دول عربية وأجنبية إلى فتح سفاراتها بالأقاليم الجنوبية المغربية، واعتراف الولاياتالمتحدة بمغربية الصحراء وفتح سفاراتها بالداخلة، اختارت ألمانيا المشي في الاتجاه المعاكس، جاهرة هذه المرة بمواقفها المعادية للوحدة الترابية المغربية. من خلال دعوتها إلى عقد جلسة استثنائية لمجلس الأمن لإسقاط قرار دونالد ترامب، وثني بلاده عن فتح سفارتها بالصحراء المغربية. مما دفع بالدولة المغربية إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة وجرأة وحزما، في تعاملها الديبلوماسي مع ألمانيا، إذ استدعت سفيرتها في برلين احتجاجا على محاولة ألمانيا لتحريض المنتظم الدولي، ضد الاعتراف الأمريكي بحق الشعب المغربي في صحراءه. علاوة عن إقصاءها للمغرب من الملف الليبي، وعدم دعوته للمشاركة في مؤتمر برلين الخاص بليبيا. وهذا ما دفع المملكة المغربية إلى تعليق كل اتصال أو تعاون مع السفارة الألمانية في الرباط ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها. كما أن اسبانيا، عندما أقبلت على استقبال لما يسمى بزعيم جبهة البوليزاريو، احتج المغرب هذه المرة بطريقة هجومية واندفاعية، إذ اعتبر هذا السلوك الصادر عن وزارة خارجية اسبانيا بطعنة في الظهر، مما جعله يقبل، كردة فعل عن هذا السلوك، على اتخاذ مجموعة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. منها تحويل مجموعة من الشراكات والمعاملات الاقتصادية والمالية والتجارية والسياحية إلى وجهات أخرى، ورفع يده عن الحرس الأمني للحدود. الشيء الذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر المغرب السياج الأول للحدود الأمنية لأوروبا في حربها على الهجرة الغير الشرعية. وهو ما أضر بمصالح اسبانيا وتدهور علاقتها مع المغرب، وقد ترتب عن ذلك التعجيل بإقالة وزيرة خارجيتها أرانشا غونزاليس لايا، المسؤولة المباشرة عن دخول إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليزاريو الى اسبانيا. وما كادت تستوعب ألمانياواسبانيا والاتحاد الأوروبي هذه المواقف الجريئة والغير المسبوقة التي اتخذها المغرب، حتى تلقت الجزائر صفعة على خذي سياستها الخارجية، في محفل دول حركة عدم الانحياز، الذي فضح فيه ممثل المغرب عمر هلال تناقضات وزير خارجية الجزائر رمضان لعمامرة، وأضعف حججه في طرح موضوع الصحراء المغربية، على اعتبار أنه لم يكن مدرجا ضمن جدول أعمل الاجتماع الدولي الافتراضي. معيبا عنه في ذات الآن سياسة ازدواجية المعايير، حيث "يقف كمدافع قوي عن تقرير المصير، وينكر هذا الحق نفسه لشعب القبايل". مؤكدا على أن النظام الجزائري إذا كان يؤمن إيمانا راسخا بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فالأولى له أن يسارع إلى إعطاء هذا الحق لشعب القبايل، "الذي يعتبر أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي"، مختتما مداخلته على أن "تقرير المصير ليس مبدأ مزاجيا. ولهذا السبب يستحق شعب القبايل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير". فكانت هذه الضربة الدبلوماسية مدوية في الأوساط السياسية والعسكرية الجزائرية، حيث تبعثرت اوراق خطاباتها السياسية أمام المنتظم الدولي، وعجزت عن مدارات تناقضاتها المتصدعة. حينما اجترعت من نفس الكأس الذي ترغم المغرب عدوانا على شربه. ويتضح من خلال هذه المواقف القوية والجريئة للديبلوماسية المغربية، والإجراءات الصارمة والحازمة لسياسته الخارجية للدفاع عن قضاياه الوطنية، أن المغرب ما بعد كرونا لم يعد متسامحا أو متساهلا في الدفاع عن حقوقه الشرعية، أو يراعي شعور من يتطاولون على سيادة وحرمة وحدته الترابية. وأنه سينهج سياسة قصاص العين بالغين والكيل بالمثل، ومسك الذراع المكسور لكل دولة ترغب في المساس والتلاعب بقضاياه الوطنية المصيرية. فرفع اليد عن قضية الهجرة السرية مع الاتحاد الأوروبي، وفتح حدوده مع سبتة على مصرعيها، وتفاعلات الشعب المغربي للمطالبة باسترجاع مدينتي مليلية وسبتة المسلوبتين، والإشارات التضامنية مع قضية استقلال كاتلونيا عن اسبانيا، ومطالبة الجزائر بتحرير شعب القبايل وإعطاءه حق تقرير المصير. كل هذه المواقف، أربكت الخصم ولقنته درسا في السياسة الدولية. وهي أفضل منهجية هجومية في الحرب الديبلوماسية للدفاع عن الحقوق المشروعة للمملكة المغربية، أمام هذه الدول المعادية لوحدته الترابية.