عندما يعلم المواطن أو المواطنة، بقيام وزارة التربية والتعليم في بلادنا، بعملية تشجير قياسية، من حيث عدد الأغراس، الذي فاق عدد التلاميذ، فإن المرء لا يسعه سوى الابتهاج في البدء، بهذه الخطوة التي مكنت الناشئة، من تخليد يوم الأرض على غرار أقرانهم في العالم، وتنمية ذوقهم الجمالي، وحسّهم بقيمة البيئة والفضاءات الخضراء الخ.. لكن، عندما تعود الذاكرة بالمرء نفسه إلى الخلف، ويستعرض بحنين حلو، تلك اللحظات التي قضّاها، في عمليات التشجير المتعبة، بالمدارس التي مرّ بها، ويحصي عدد الحفر التي حفرها، فإنه سيضحك، ساخرا من سذاجته، وشامتا في دروسه الخيالية، بل وسيضرب كفا بكف من فرط الغيظ، عندما تجره قدماه إلى تلك الأماكن التي حفرها بهدف تشجيرها، وبقيت على حالها بدون أغراس، أو غرست فيها شتلات، ذبلت في الصباح الموالي، لانعدام المصاحبة والصيانة الكافية.. تلكم الأماكن، التي كنا نتخيل أنها ستصبح ذات يوم من العمر، غابات خضراء، فإذا بها اليوم، مجرد مزابل شاسعة.. إنه درس موازي في تبذير المال العام، والطاقة والجهد، والوقت كذلك!، يرسخ في أذهان الناشئة، وبه تزيغ بعض العمليات التربوية والتحسيسية عن أهدافها النبيلة، إلى نقيضها، ومن غايات مثلى كالتربية على عشق البيئة، والفضاء الايكولوجي بصفة عامة، إلى التربية على تبذير المال العام، وأخطر من ذلك كله، هو معرفة الطفل على أننا في بلد الإفلات من العقاب، لأن ما ننفقه على الشأن العام - تشجير مثلا - لا يستحق الاهتمام به، وإذا ضاع فلا حسيب ولا رقيب، وأن الاحتفاء بذكرى يوم ما أو عيد ما، مجرد بهرجة فولكلورية فقط!. إن "حسن النوايا في السياسة يؤدي إلى الجحيم" أليس كذلك السيد اخشيشن ؟