لقد وردت العبارة التالية في أحد المواقع المختصة بالصحة والتغذية (إذا كنت ممن يشرب الحليب المبستر أو الحليب المتجانس فتوقف عن ذلك فورا من أجل صحتك). إن العبارة السابقة قد تكون جريئة جدا لدرجة أن الكثيرين قد يتعجبون منها وينتقدونها، ولكن مع الأسف هي عبارة صحيحة جدا، وقبل أن نوضح السر وراء التوقف عن هذه الأنواع المبسترة من الحليب لا بد أن نبين أولا الفوائد الموجودة في الحليب غير المبستر ثم بعد ذلك سنفهم ما يلي ذلك من حديث عن الحليب المبستر. فوائد الحليب غير المبستر إن الفوائد التي نتحدث عنها تخص الحليب قبل تعقيمه بالغلي أو بسترته، وهذا النوع من الحليب يشبه الحليب الذي ترضعه الأم لطفلها قبل الفطام إن هذا النوع من الحليب غير المعالج هو مكون حي مليء بالأنزيمات والبكتريا النافعة والفيتامينات والمعادن والدهون والبروتينيات واللاكتوز (نوع من أنواع السكريات) وإذا تركت كوبا من هذا النوع من الحليب لمدة ساعة في درجة حرارة الغرفة فستجد أن خواصه تتغير فهو يتخثر أي يتجمد ويحدث هذا بفعل البكتريا النافعة الموجودة به حيث تساعد على تخمر السكريات الموجودة به وتحولها إلى حمض اللاكتيك والنتيجة هي اللبن الرائب كما يطلق عليه عادة، وما نعجب له هو أن هذا النوع من الحليب أو اللبن الرائب اكثر فائدة غذائية من الحليب قبل تخثره والسبب هو أن ما حدث به قد جعله مهضوما جزئيا. من يعانون حساسية من الحليب الخام (قبل غليه) قليلون بخلاف الأنواع المعالجة من الحليب في هذه الأيام فإن القليل يعاني حساسية من الحليب الخام والسبب في عدم تسببه للحساسية هو وجود الأنزيمات النشطة به، فمثلا توجد بالحليب الخام نسبة كافية من أنزيم اللاكتاز لهضم اللاكتوز وكذلك البروتيز لهضم البروتين وأخيرا إنزيم الليباز لهضم الدهون. وهذه الإنزيمات تساعد أيضا على امتصاص الكالسيوم وتساعد أيضا على تمثيل باقي الأملاح المعدنية . ولذا يكون اللبن الخام المبستر طبيعيا مؤديا لفوائد صحية للكثير من الناس وقد لا يشرب الكثير من الناس أي نوع من أنواع الألبان اقتناعا منهم بأنه مهم فقط في مرحلة الطفولة والنمو وانه بما أننا لسنا أطفال فنحن لم نعد في حاجة للحليب أو منتجات الألبان، ولكن هذا يعتبر رأيا شخصيا وقد يكون رأيا خاطئا ولكن الرأي الآخر القائل بأن الألبان المبسترة الموجودة بالسوبر ماركت قد لا تمدنا بالصحة هو رأي غير خاطئ. الحليب بعد بسترته الحليب المبستر يحدث له ما يلي: إن البسترة في أبسط صورها هي عملية فيها يسخن الحليب لدرجات حرارة عالية جدا لقتل البكتريا الموجودة به، ولكن هذا التسخين يقتل الأنزيمات الموجودة به بالكامل حيث إنها مكونات حيوية في الحليب أيضا وفي الحقيقة يتحدد نجاح عملية البسترة بعد قتل كل الأنزيمات الموجودة بالحليب فعندما تكون كل الأنزيمات قد قتلت فإن هذا معناه اكتمال عملية البسترة. وهذه العملية لا تقوم فقط على قتل الإنزيمات والبكتريا الضارة بل هي تقتل أيضا البكتريا النافعة اللاكتوباسيليوس، وهذا معناه للأسف أن هضم المواد الغذائية المتنوعة مثل البروتينات والدهون والسكريات عندئذ لا بد أن يقوم بها الجسم بمفرده بدون مساعدة الإنزيمات المتكونة طبيعيا والبكتريا النافعة الموجودة بالحليب. ولغياب هذه الأنزيمات والبكتريا فإن هناك عبئا وضغطا غير واجب مطلوب من البنكرياس أن يقوم به بمفرده. لماذا نلجأ للبسترة؟ إن بسترة الحليب الهدف منها في الأساس هو جعل الحليب آمنا بقتل الملوثات التي قد توجد به. إن هذا صحيح ولكنه ليس السبب الحقيقي فالحقيقة هي أن اللبن المبستر مشكوك في كونه ملوثا تماما مثل الحليب الخام، فقد ظهرت البسترة وأصبحت في حالة رواج فقط في السنوات الأخيرة حيث ازدهرت عملية تسويق منتجات الألبان، إن البسترة تعتبر بديلا رخيصا للتعقيم الفعلي. فإذا كانت الأبقار والمزارع والعمال القائمون عليها مبالغين في نظافتهم فإن التعقيم في هذه الحالة لن يكون ضروريا، ولكن هذا بالطبع سوف يكون مكلفا للغاية من الناحية الاقتصادية لذا، فمن الأسهل عملية البسترة والتي تعني قتل المكونات الحية الموجودة بالحليب، والحليب المبستر ببساطة هو طعام خال من القيمة الغذائية مثل الكثير من الأطعمة المعالجة أو المطهوة ويشربه الناس على غير دراية بهذا الأمر معتقدين انه يفيد صحتهم على الرغم من أن العكس صحيح. الأمر يزداد سوءا هذه هي الحال بالنسبة للحليب المبستر فما بال الحليب المبستر المتجانس؟ وهذا هو الحليب المتواجد بالسوبر ماركت والأكثر انتشارا والذي تكون نتيجة استهلاكه تناول الكثير من الدهون غير المرغوبة، فالحليب كامل الدسم يحتوى على طبقة من القشدة توجد على سطحه يمكن فصلها وشرب الحليب بدونها. أما عملية إحداث التجانس بالحليب حتى لا تتجمع على سطحه هذه القشدة فهي عملية تقنية يحدث فيها تكسير الدهون الموجودة بالقشدة وتقنيتها لجزئيات صغيرة جدا، والجزئيات الدقيقة من الدهون الناتجة من تلك العملية تسمح للأنزيمات الميتة التي تسمى الإكزانثين بالدخول إلى أجسادنا. وهذا الأنزيم يمكنه تدمير جدران الشرايين بإحداث أضرار في بطانتها. فالمشكلة هي أن الحليب المحتوى على هذه الجزئيات من الدهون الدقيقة المحتواة على هذا الإنزيم الضار يمكنها لصغر حجمها من النفاذ من خلال النسيج الداخلي للأمعاء الدقيقة وبذلك تسري في الدورة الدموية وتمر على الشرايين، أما في حالة الحليب غير المتجانس فإن هذه الجزئيات سوف تمر بصورة طبيعية بعد أن تهضم. مشكلة الرضاعة الصناعية والأمر لا يتوقف ضرره على الكبار فقط بل المشكلة والضرر يقع على الأطفال الرضع الذين ترضعهم أمهاتهم الحليب في الرضاعات أو الزجاجات بعد غليه جيدا، فهم بذلك يتناولون حليبا عديم القيمة الغذائية وهم أحوج للمكونات الحية الموجودة بالحليب الخام في هذه المرحلة الحاسمة من النمو التي يتحدد فيها قوة مناعة الطفل وصحته العامة وسلامة أعضائه وبالتالي مستوى ذكائه، وعلى الأمهات الذين اضطررن لهذه الرضاعة الصناعية أن يبحثن لأطفالهن عن مصدر طبيعي خام لرضاعة أطفالهن مثل حليب الغنم الخام غير المعالج فيحصلن عليه من أيد أمينة وبشكل محافظ على النظافة. وهن بذلك يقتربن من الشيء الطبيعي ذي المكونات الخام الذين سيغذى أطفالهن ولا يحرمهم المكونات الحية الموجودة بالحليب. ومن هنا نفهم لماذا تفضل الرضاعة الطبيعية على الرضاعة الصناعية، فبعد أن علمنا ما في الحليب من إنزيمات حية وأنه يصل إلى الطفل بحالته هذه مباشرة من ثدي أمه بدون واسطة أو في صورته الخام بدون تدخل فإنه بذلك يصل إلى الطفل بكل مكوناته الحية ويفيد جسمه وعقله وعظامه ولا مقارنة بالطبع بينه وبين اللبن المغلي المخفف بالماء أو حتى المركز فهم يرضعونه بعد قتل المكونات الحية به ويأخذونه خاليا من الغذاء، خاليا من الإنزيمات الهاضمة المفيدة لصحة الجهاز الهضمي والواقية من الأمراض، والأسوأ من هذا هو الحليب البودرة حيث لا فائدة منه ولا وجه للمقارنة بينه وبين الحليب الذي يرضعه الطفل مباشرة من أمه، وهنا يبدو الفرق واضحا بين الطفل الذي يرضع طبيعيا حيث يتمتع بصحة وذكاء ملحوظ عن غيره من يرضع صناعيا فضلا عن ارتباطه بأمه والتصاقه بها لارتباط الغذاء بالحنان فللأم أن تختار الطريقة التي تحافظ بها على صحة أبنائها.