لم يكن قد دار ببال المغاربة أن الراحل الحسن الثاني الذي حكم المغرب ما يزيد عن ثلاثة عقود ونيف، قد تخالجه فكرة التنحي عن حكم المغرب، من كان يظن أن هذا الملك قد يترك فكرة من هذا النوع تحتل تفكيره لحظة، لتصبح شغله الشاغل آنذاك، خاصة وأنه سعى بكل الوسائل إلى تثبيت دعائم الحكم بمملكة العلويين؟ صرح مؤنس الحسن الثاني الراحل "بين بين"، الذي نذر حياته في سبيل ترويق مزاج ملك المغرب آنذاك، أن الراحل الحسن الثاني كان على أهبة تقديم استقالته والتنحي عن الحكم إذا ما فشلت المسيرة الخضراء في بلوغ أهدافها المنشودة، أي استرجاع الأقاليم الصحراوية المغربية . لكن كيف تسللت فكرة التخلي عن حكم المملكة إلى مخيلة الحسن الثاني؟ "ماذا كنتم ستفعلون لو أخفق رهانكم على المسيرة الخضراء"؟ كان هذا السؤال واحد من عشرات الأسئلة التي ألقاها الصحفي الفرنسي "إيريك لوران" على الراحل الحسن الثاني، وبغض النظر عما أفضى به ملك المغرب آنذاك من أجوبة لإطفاء حرقة السؤال، غير أن مضمونها حسب المتتبعين، أخذ طابع اعترافات لم يكن من السهل أن تنطلق على لسان ملك عض على حكم المغرب بالنواجد، فماذا كان سيفعل الحسن الثاني لو اخفق رهانه على المسيرة الخضراء؟ يقول الحسن الثاني جوابا على ذلك في كتاب ( ذاكرة ملك) "عندما عدت إلى الرباط قادما من أكادير صعدت إلى شرفة القصر لأتأمل اخضرار ملعب الغولف، ونظرت إلى البحر نظرة مغايرة وأنا أخاطب نفسي (لقد كان من الممكن أن لا تعود إلى الرباط إلا للم حقائبك استعدادا للمنفى)، فلو فشلت المسيرة لكنت استقلت، إنه قرار أمعنت التفكير فيه طويلا بحيث كان يستحيل علي أن أترك على الساحة ضحايا لم يكن لهم سلاح سوى كتاب الله في يد والراية المغربية في اليد الأخرى. إن العالم كان سيصف عملي بالمغامرة... وكما نقول عندنا في اللهجة المغربية "ما كان بقي لي وجه أقابل به الناس". إن فكرة التنحي عن العرش التي جثمت بثقلها على ذهن الملك الراحل، كان من شأنها أن تشكل أزمة دستورية وسياسية، لكن الحسن الثاني كان قد وضع كل الاحتمالات من أجل ذلك.. وجوابا عن الكيفية التي كان من الممكن أن يتصرف على ضوئها سياسيا ودستوريا، فقد قال " كنت سأشكل مجلسا للوصاية في انتظار أن يبلغ نجلي سن الرشد، وكنت سأذهب للعيش في فرنسا أو في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالضبط في نيوجيرزي، حيث أتوفر على ملكية هناك"، لكن هل كان الحسن الثاني على أهبة الرحيل عن المغرب في حالة فشل المسيرة الخضراء؟، "أجل... وفي هذه الحال كان غيابي سيكون جسديا فقط، لأن المرارة لن تفارقني لاسيما وأنني ذقت طعم المنفى"، يقول الملك الراحل.