في حوار خاص ل"منارة" مع عبد العظيم الكروج، الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية المكلف بالتكوين المهني، إضاءات حول قطاع أسال المداد وأثار كثيرا من اللغط، لعلها تشفع في إزالة العتمة عما خفي فيه. بداية نستهل الحوار بالتناقض الصارخ بين الإحصائيات الرسمية التي تفيد بأن نسبة التمدرس في السنوات الأولى ابتدائي تبلغ 99 بالمائة ونيف، والترتيب المخجل للمغرب في ذيل لائحة المستوى التعليمي في العالم؟ إن تحقيق نسبة تمدرس مرتفعة، لم يأتي بمحض الصدفة، فالأمر يخفي وراءه استثمارات ضخمة، جرى تسخيرها خلال السنوات القليلة الماضية، والنتائج هي كيفية صرفة، فقد جرى فتح 500 مدرسة خلال الخمس سنوات المنصرمة، وهو ما رفع من نسبة التمدرس التي باتت في حدود 99,5 بالمائة خلال السنة الابتدائية الأولى، وكذلك رفع من الطاقة الاستيعابية للمدارس، وقد استقبلت مدارس المملكة خلال هذه السنة 663 ألف تلميذ في السنة الأولى ابتدائي، وحاليا نتوفر على 10 آلاف و600 مؤسسة تعليمية 54 بالمائة منها في العالم القروي، 162 ألف فصل دراسي. كما يدرس في مختلف هذه المؤسسات التعليمية نحو 6 ملايين و800 ألف تلميذ. لكن جودة التعليم تظل كعب أخيل في المنظومة التعليمية المغربية، كيف تفسرون هذا الأمر؟أولا لا مناص من الاعتراف، بأن جودة التعليم هي رهينة عدة عوامل يجب أن تلتئم فيما بينها من أجل تجويد العليم وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى يومنا هذا. وهذه العوامل ترتبط بشكل أساسي وجوهري بالمنظومة البيداغوجية.وسعيا منا لتجاوز النقائص التي تشوب المنظومة البيداغوجية فإننا نركز جهودنا على تعليم تلاميذ الابتدائي القراءة والكتابة، لأن اللغة تظل الأداة المعرفية الأساسية، ومدعاة هذا الأمر هي نتائج بحث أجريناه وكشف أنه في نهاية السنة الدراسية السادسة ابتدائي 16 بالمائة فقط من التلاميذ من يستطيعون كتابة وقراءة اللغة العربية مع نسبة جد منخفضة فيما يخص اللغة الفرنسية وتتحدد في 5 بالمائة فقط. هكذا معاينة تشكك في مدى قدرة الاعتمادات المسخرة للتربية والتعليم على تحقيق المرامي بتجويدهما؟الأمر لا يدعو للتشكيك بقدر ما يدفعنا لمضاعفة جهودنا، صحيح أن قطاع التربية والتعليم يستحوذ على 26 بالمائة من ميزانية الدولة وهي النسبة التي تربو لتغدو محددة في الثلث إذا أضيفت لهما ميزانية التعليم العالي، كما أننا لا نملك العديد من المدارس الداخلية من أجل الرفع من نسبة تمدرس الفتيات في العالم القروي، وخاصة في المستويين الإعدادي والثانوي، فضلا عن أن هناك الآلاف من المدارس التي تحتاج للصيانة، ويخصنا الكثير فيما يخص المستويين الإعدادي والثانوي.لكن هدفنا يظل هو تعميم التربية والتعليم على مختلف أطفال المملكة الشريفة، وصاحب الجلالة الملك محمد السادس ما فتيء يوصي بتعميم التعليم وتجويده كما أن دستور 2011 جعل منهما حقا مخولا للجميع وبطريقة متساوية تعزز المساواة في الحظوظ. لنسلم فرضا بما سبق،كما هو ديدن الحكومات السالفة، التي ظلت تنادي بذلك، لكن كيف يمكن تجويد التربية والتعليم؟ لا يخفى عليكم أن نحو 7 ملايين طفل يلجون المدرسة، ومستقبل البلاد رهين بهذه الفئة، وإزاء قضية من هذا الحجم، فإننا معبؤون يجب أن لاعتماد رؤية تنموية تتغيا تحقيق مرامينا في تجويد التربية والتعليم.وقد لا أخفيكم سرا، أني والوزير رشيد بلمختار نعمل جاهدان على الدفع بهذه الرؤية، التي تنبني على أربعة أبعاد يتعلق الأول منها بالعرض المدرسي والثاني بالعرض البيداغوجي، بينما يهم الثالث الرأسمال البشري، وهنا لابد من الاشارة إلى أن 39 مليار درهم من مجموع ميزانية التربية الوطنية، البالغ 45 مليار درهم، تغطي مجموع رواتب موظفي هذا القطاع، بينما البعد الرابع يهم الحكامة، كما الشأن بالنسبة للا مركزة القرار بطريقة تشاورية وموسعة.وهذا البرنامج سيمكننا بالمرة من خلق تعبئة حول المدرسة ومنح إشارات قوية حتى تصبح قضية المدرسة شغلا شاغلا للمواطنين كل يوم. هل ترون أن هذا التشخيص وخطة العمل كفيلان بتحقيق الأهداف التنموية؟ بلا شك، فاليوم نتوفر على نظرة متكاملة تهم التربية والتكوين، وهو ما انعدم في السابق، إذ أن 205 ألف تلميذ من بين 663 ألف هم من يتممون مشوارهم التعليمي حتى الحصول على شهادة الباكالوريا، وكذلك 450 ألفا يغادرون المدرسة. ولكن إلى أين؟ الخيار يكون هو التكوين المهني.لكن كيف نريد من تكوين قصير المدى يتراوح بين 12 و24 شهرا، أن يسد الثغرات المسجلة منذ سنوات طويلة؟ إن رؤيتنا تسعى لتعزيز روح التكوين المهني، بشكل ينسجم وفلسلفة تجويد التربية والتعليم وتأهيله بشكل يجنب اللجوء إليه كملاذ فقط عقب الفشل الدراسي، لذا من الأجدى جعله خيارا ناجعا ومطية للنجاح وتحقيق المرامي الاجتماعية والمهنية. لا بد من الجزم بأن التكوين المهني أضحى مدركا كوسيلة ل"إعادة التدوير" (إن صح التعبير) بعد الفشل الدراسي. كيف يمكن تغيير هذا الأمر؟ما تجدر الاشارة إليه أن التكوين يمثل أهمية قصوى في منظومتنا التعليمية، وخلال هذا العام أصبحت لنا القدرة على توفير أزيد من 300 شعبة وكذا استقبال 489 ألف متدرب سنويا في مقابل 700 ألف في التعليم العالي، وهو العدد الذي كان محددا في 40 الفا قبل 15 سنة من الآن. إن الإشكالية هي ما يعرف بمدى ملاءمة التكوين والعمل، والحقيقة تفيد أن نسبة الإدماج في سوق الشغل بلغت 60 بالمائة، لكن لا يمكننا الحديث عن الإدماج المهني بمعزل عن مقاولات توفر الشغل.وإذا لم تتوفر المقاولات على العنصر البشري الكفؤ لن تقدر على خلق قيمة مضافة وبالتالي لن تستطيع خلق فرص للشغل، وبالتالي فهدفنا يتحدد في توفير تكوين جيد لمتدربينا بشكل يزيد من حظوظهم في الحصول على عمل. هل من إجراءات فعلية لتعزيز روح التكوين المهني؟إن جاذبية التكوين المهني تمر عبر اكتشاف الآفاق والمهن التي يوفرها، ونحن نطمح لإدراج حصص تكوينية منذ التعليم الابتدائي وبالتالي فالأطفال بإمكانهم الاحتكاك وبعض المهارات المهنية، وأجزم أنه حين نهاية العام الجاري سنكون قد فرغنا من استراتيجية وطنية تهم التكوين المهني.ويهم الأمر عدم الحد من أحلام التلاميذ الطموحين، وعدم وضع أسقف للتكوينات وفتح باب الفرص على مصراعيه أمام هؤلاء الشباب للولوج إلى المدارس النخبوية كما الشأن بالنسبة لمدارس المهندسين، وبالتالي فهؤلاء الشباب لن يكونوا ملزمين بالولوج إلى الأقسام التحضيرية من أجل الولوج إلى هذه المدارس النخبوية التي تستقبل المسجلين عن طريق حصة محددة "كوطا" وهذا ما يعد سابقة تاريخية في المغرب. هل من شأن هذه الإجراءات خلق "بروفايلات" مهنية مطلوبة؟بالطبع فلقد اعتمدنا الباكلوريا المهنية فيما يخص شعبة السيارات، وصناعة الطيران وكذا في الفلاحة، وهذا الباكالوريات مخصصة للمهنيين، بحي تتمكن من تكوين بروفايلات تنسجم والطلب عليها إذ ليس مجديا تكوين بروفايلات غير مطلوبة ستظل عاطلة عن العمل، وحتى نبلغ هذا المبتغى فقد عملنا وبعض المقاولات على تحديد المنظومة البيداغوجية.مثلا مراجعة برامج الرياضيات حتى تنسجم وما ينتظر المتدربين خلال اندماجهم في مقاولات العمل، مع التركيز على خلق شراكات بين القطاعين العمومي والخصوصي، من أجل تحقيق نسب إدماج في سوق الشغل جد مرتفعة. رغم تعاقب الإصلاحات على قطاع التربية والتعليم لم يجدي الأمر نفعا، فهل الأمر يتعلق بخصوصية مغربية قحة؟ هل يشكل التكوين المهني وسيلة ناجعة لتغيير هكذا واقع مرير؟ إن التكوين ليس هو الحل الأوحد في المدرسة المغربية التي تنضبط لعدة عوامل كما أسلفت الذكر. فمن بين 663 ألف شاب لن يكون بإمكانهم كلهم أن يصبحوا دكاترة أو مهندسين والتكوين المهني قد يشفع للعديد من هؤلاء أن يتمموا مشوارهم العادي ويشقوا طريقهم بثبات نحو المستقبل.وإذ العوامل التي تؤدي إلى الفشل الدراسي تظل عديدة، فإن التربية والتعليم يجب أن يندرجا ضمن فسيفساء اهتمامات العديد من الفاعلين والمتدخلين في مخلف الأنشطة وفي كل الجهات، على أن التكوين يلزم أن يكون وفق معايير محددة وخاصة بكل مهنة على حدة. البعض ينتقد الرغبة في اعتماد تقنيات تكنولوجية حديثة لتجويد التعليم كما الأمر بالنسبة للوحات الإلكترزونية (طابليت)؟إن اعتماد التقنيات الحديثة يعتبر عامل تغيير مهم، فهناك اللوحات الالكترونية التي تظل وسيلة ليس إلا كما أن هناك تغيير في المحتوى، وكذا توطيد التكوين عن بعد، فضلا عن العلاقة التي تمت لكل المتدخلين يف المنظومة البيداغوجية وليس التلاميذ وحدهم.وبالتالي يلزم التفكير في اعتماد تقنيات تعلم جديدة، تتماشى والتطورات المسجلة في النظام التعليمي، فاليوم يلزم التفكير في تقوية الروابط بين المعلمين والتلاميذ عن طريق اعتماد تقنيات تكنولوجية حديثة كما اللوحات الالكترونية وخاصة في العالم القروي حيث يمكن تعزيز التعلم عن بعد وبالتالي فإن اللوحات الإلكترونية ليست هدفا في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة فعالة ستدفع لتجويد التعليم وجعله محققا للأهداف المتوخاة. هل من أفق زمني لتحقيق هذا المبتغى؟يجب أن نكون صرحاء، لا يمكننا الجزم بتغيير المنظومة ككل وبالمرة خلال ستة اشهر أو عام كامل، لقد وضعنا معايير وضوابط مهمة خلال العام الجاري، من قبيل الباكالوريا المهنية، والتوجيه.. والعديد من الأهداف يظل تحقيقها رهين مدد زمنية محددة.