لم تحقق زيارة رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، إلى المغرب أهدافها، حيث طبعها الفراغ والفوضى، إذ تم الترتيب لها في آخر لحظة وبطريقة مرتجلة، حيث يهدف من ورائها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، إلى التخفيف من الضغط الذي تمارسه عليه المعارضة وجزء من الأغلبية، وذلك عن طريق الترويج للنموذج الأردوغاني والمعجزة التركية، التي تعتبر محض أسطورة، ويهدف من ورائها أردوغان إلى تصريف أزمته الاقتصادية الخانقة وتخفيف الضغط الممارس على بلده بعد فشله في التعامل مع الأزمة في منطقة الشرق الأوسط. وتميزت زيارة أردوغان للمغرب بمقاطعة من طرف رجال المال والأعمال لفعاليات هذه الزيارة، واضطر بنكيران لينقذ ماء وجهه أن يجلب بعض رجال الاقتصاد المنتمين لحزبه، لكن ذلك لم يجد نفعا أمام مقاطعة الفاعلين الحقيقيين في الاقتصاد الوطني، وقد عبرت نقابة الباطرونا عن تخوفها من تغول الأتراك على الشغل في المغرب ومزاحمة غير شريفة للمقاولة المغربية التي تعاني من النزيف جراء سياسات بنكيران.
غير أنه لا ينبغي أن ننسى حتى ورجال الأعمال يقاطعون زيارة أردوغان أن حكومة بنكيران منحتهم ما لا تملك، حيث وقعت معهم اتفاقيات غامضة يعلم الله وحده الهدف منها خصوصا اتفاقيات حول الملاحة البحرية بعد أيام من إغلاق ميناء القنيطرة. وبعد أن وجد بنكيران نفسه محرجا أمام ضيفه، العضو الفاعل في الأممية الإسلامية، أوحى لوزرائه بأن ترافق زوجاتهم زوجات الوزراء الأتراك للتبضع في السويقة بباب الأحد بالرباط، في رسالة مفادها أنه إذا لم تنفع العلاقات الحقيقية يمكن أن تنفع الشعبوية، التي أصبحت من المشترك بين التنظيمات الإسلامية واليمين الأوروبي المتطرف. أخطاء كثيرة ارتكبها رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران في تدبير زيارة الوزير الأول التركي للمغرب، منها ما يعتبر خرقا لقواعد البرتوكول، والآخر يكشف عن توظيف العمل الحزبي في الأنشطة الديبلوماسية للحكومة، فيما أظهر ابن كيران عدم اكتراث واضح بغضبة الباطرونا المغربية من اختلال ميزان المبادلات التجارية بين الرباطوأنقرة. أولى أخطاء ابن كيران ظهرت حين استهتاره بالاتحاد العام لمقاولات المغرب الذي يعتبر شريكا لجميع الحكومات المغربية في المنتديات الدولية التي تجمع رجال الأعمال المغاربة بنظرائهم الأجانب، فرغم أن الزيارة كانت مبرمجة منذ أشهر، إلا أن رئيس الحكومة لم يبلغ نقابة رجال الأعمال المغاربة بتحضير أنفسهم لهذه الزيارة إلا يومين قبل موعدها، ما يعني عدم إشراك المستثمرين المغاربة في التحضير للزيارة التي كانت ذات بعد اقتصادي بالأساس. وتسبب سوء تدبير ابن كيران لهذا الملف في قرار الباطرونا مقاطعة منتدى الأعمال المغربي التركي، ما شكل إحراجا لحوالي 300 رجل أعمال تركي رافقوا طيب أردوغان إلى المغرب دون أن يوقعوا أي اتفاقيات مع الممثل الأول لرجال الأعمال المغاربة. وفيما اعتذر رئيس الحكومة للاتحاد العام لمقاولات المغرب عن عدم إشراكه في التحضير للزيارة ووصفه الاتحاد العام لمقاولات المغرب بأنه شريك أساسي للحكومة، بدا رئيس الحكومة هاويا وغير متمكن من إدارة شؤون الحكومة، حين اعترف علانية بأنه ارتكب خطأ وإنه سيعمل في المستقبل على عدم تكراره. وفي محاولة لتبرير الخطأ الذي اقترفه في تدبير العلاقات الاقتصادية الخارجية للمغرب، أوضح ابن كيران بأن زيارة رجال الأعمال الأتراك للمغرب تم تنظيمها من طرف تنظيمين للباطرونا تربطهما علاقة شراكة وهما جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك وجمعية «أمل» التي كشفت الأخبار المتداولة أنها مقربة من حزب العدالة والتنمية المغربي، ما يعني تغليب التدبير الحزبي على الحكومي في ترتيب مثل هذه اللقاءات. الخطأ في تدبير زيارة الوزير الأول التركي للمغرب لم يقع فيه رئيس الحكومة لوحده، فحتى وزير الشؤون الخارجية والتعاون سعد الدين العثماني ارتكب خطأ ديبلوماسيا حين صرح لوكالة الأنباء التركية يوم الأحد الماضي بأن جلالة الملك سيستقبل الوزير الأول التركي، قبل أن يتبين بأن ذلك غير مدرج في جدول أعمال الزيارة، ويتدارك الوزير الأول التركي خطأ وزير الخارجية المغربي بالقول إن جلالة الملك محمد السادس سيزور تركيا في حدود نهاية السنة الجارية. وفيما وجدت غضبة رجال الأعمال المغاربة من اختلال ميزان التبادل التجاري بين المغرب وتركيا صدى لها في مختلف تدخلات الوزير الأول التركي الذي حرص في أكثر من مرة على بعث رسائل تطمين إلى الباطرونا المغربية، تجاهل رئيس الحكومة المغربية ذلك وظل يتداول عبارات عامة عن تطوير المبادلات التجارية، مع انتصاره لرجال الأعمال الأتراك. فخلال اللقاء الموسع بين مسؤولي البلدين، عبر الوزير الأول التركي عن أمله في الحد من عدم توازن الميزان التجاري بين البلدين والنهوض بالاستثمارات الثنائية ، وهو الأمل الذي سيتحول إلى التزام عبر عنه أردوغان في الندوة الصحفية التي عقدها رفقة عبد الإله ابن كيران، حين قال إنه سيلتزم بالعمل على رفع حجم الاستثمارات التركية المباشرة في المغرب، مال ابن كيران إلى جهة الأتراك وهو يؤكد لهم أن الحكومة ملتزمة ومستعدة بتيسير السبل أمام رجال الأعمال الأتراك للاستثمار في جميع المجالات، دون أن يستحضر شكوى رجال الأعمال المغاربة من تعقيد أنقرة للمساطر الإدارية في وجه الاستثمارات المغربية وهو ما كان من أسباب استفادة تركيا من اتفاقية التبادل الحر على حساب المغرب.