"إل جي" تطلق متجرا إلكترونيا في المغرب    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    الأمانة العامة للحكومة تطلق ورش تحيين ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية وتُعد دليلا للمساطر    محامو المغرب: "لا عودة عن الإضراب حتى تحقيق المطالب"    الشرطة الهولندية توقف 62 شخصاً بعد اشتباكات حادة في شوارع أمستردام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مؤسسة وسيط المملكة تعلن نجاح مبادرة التسوية بين طلبة الطب والصيدلة والإدارة        كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    نقطة واحدة تشعل الصراع بين اتحاد يعقوب المنصور وشباب بن جرير    بقرار ملكي…الشيشانيان إسماعيل وإسلام نوردييف يحصلان على الجنسية المغربية    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    غياب زياش عن لائحة المنتخب الوطني تثير فضول الجمهور المغربي من جديد    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    مجلة إسبانية: 49 عاما من التقدم والتنمية في الصحراء المغربية    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجولة ال10 من البطولة الاحترافية تنطلق اليوم الجمعة بإجراء مبارتين    طواف الشمال يجوب أقاليم جهة طنجة بمشاركة نخبة من المتسابقين المغاربة والأجانب    ضمنهم مغاربة.. الشرطة الهولندية توقف 62 شخصا بأمستردام    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف        ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    كيف ضاع الحلم يا شعوب المغرب الكبير!؟    تحليل اقتصادي: نقص الشفافية وتأخر القرارات وتعقيد الإجراءات البيروقراطية تُضعف التجارة في المغرب    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان    رضوان الحسيني: المغرب بلد رائد في مجال مكافحة العنف ضد الأطفال    كيوسك الجمعة | تفاصيل مشروع قانون نقل مهام "كنوبس" إلى الضمان الاجتماعي        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    طوفان الأقصى ومأزق العمل السياسي..    إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    المدير العام لوكالة التنمية الفرنسية في زيارة إلى العيون والداخلة لإطلاق استثمارات في الصحراء المغربية    "الخارجية" تعلن استراتيجية 2025 من أجل "دبلوماسية استباقية"... 7 محاور و5 إمكانات متاحة (تقرير)    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    الشبري نائبا لرئيس الجمع العام السنوي لإيكوموس في البرازيل    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث فى ذكرى المولد النبوى الشريف(صلى الله عليه وسلم)
نشر في محمدية بريس يوم 23 - 01 - 2013

الحمد لله، نستعينه، ونستهديه، ونتوب إليه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونُثني عليه الخيرَ كله، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له ومَن يضللْ فلا هاديَ له.. نشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وخليلُه؛ بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن دعا بدعوته واهتدى بهديه وسارَ على سنته إلى يوم الدين.
أما بعد.. يأتي شهر ربيع ويأتي معه الخير، وتأتي معه الذكريات الغوالي التي تُذكِّرنا بميلادِ المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وهو ميلادُ أمة، وهو ميلادٌ للحياة، وهو ميلادٌ شرَّف الله عز وجل به هذه الدنيا، وقد سُئل النبي- صلى الله عليه وسلم- من الصحابةِ فقالوا: صفْ لنا نفسك!! فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبُشرى أخي عيسى، ورؤيا أمي آمنة".
أما دعوة إبراهيم عليه السلام ففي قول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ(127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ(129)﴾ (البقرة).. أما عيسى عليه السلام وبشراه، ففي قول الله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (الصف: من الآية 6)، وأما رؤيا آمنة فإنها رأت عند مولده- صلى الله عليه وسلم- أنَّ نورًا خرج منها فأضاء ما بين السماء والأرض.
وسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ: مَن أنا؟ فقالوا: "أنت رسول الله"، فقال صلى الله عليه وسلم: "أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إنَّ الله لما خلق الخلق فرَّقهم فرقتين فجعلني من خيرهم فرقةً ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلةً، ثم فرَّقهم بيوتًا فجعلني من خيرهم بيتًا، فأنا من أطيبكم بيتًا ومن أطهركم نفسًا".. صلى الله عليه وسلم.
والآية التي معنا وهي دعوة إبراهيم عليه السلام آيةٌ عجيبةٌ تكررت في القرآن في أكثر من مرة، ومنها ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 164) استجيبت الدعوة.. ادخرها المولى تبارك وتعالى، واستجاب لها في الوقتِ المناسب وفي الظرف المناسب، وفي لحظةٍ من التاريخ كان العالم في أشدِّ الحاجة إلى مَن يأخذ بيده ويهديه الصراط المستقيم، فهي منَّةٌ وهي نعمةٌ وهي فضلٌ وهي كرمٌ من المولى تبارك وتعالى.. ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(164)﴾ (آل عمران).. وهذه الآية تكشف لنا عن طبيعة الرسالة وعن طبيعة المنَّة، وعن طبيعة النعمة، وعن مدى الفضل الذي تعطَّف به المولى تبارك وتعالى على البشرية.
فنظرة سريعة حول العالم أو إلى العالم قبل أن يتشرف بهذه الرسالة، كان هذا العالم أشبه بمخمورٍ يتخبَّط؛ إذا أفاق لحظةً رجع إلى سُكرِه لحظاتٍ، كل شيءٍ في غير موضعه، تمامًا كما يستولي الطفلُ في البيت على علبة كبريت وتُلقى هكذا كل ثقاب في مكان، عالَم بَشِعٌ لا مكانَ للمرأة، لا مكانَ للرجل، لا مكانَ للعقيدة، لا قِبلةَ، لا كتابَ، لا منهجَ، إنما هي الكهانة والسحر والشعوذة ونبوءة الغيب والتطير إلى آخره، فجاء الإسلام لِيُعيد بناءَ هذا العالم كما أراده المولى تبارك وتعالى، كل شيء يُوضع في محله، كل شيء يُوضع في مكانه تمامًا، كما إذا أتينا بعاملٍ لا يعرف شيئًا عن السيارة وقلنا له أصلحها فجاء بمفتاحٍ وفكَّها وألقاها أمام البيتِ كل جزئيةٍ في مكان، وقال لك هذه هي السيارة، فجاء الإسلامُ ليعيد تركيب العالم، تركيب عقل الإنسان وقلب الإنسان ومشاعر الإنسان، ومكان المرأة، ومكان الرجل، وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
كان منظر الرق فقط في العالم قبل الإسلام وصل إلى سبعةَ عشرَ لونًا، الناس يَستعبدون بعضًا، ومن ألوان الاستعباد أن يكون لغنيٍّ على فقير دَينًا ويعجز الفقير- لا يستطيع السداد- فيقول له: تعال أنت رقيق عندي بهذا الدَّين أنت عبد لي وتظل رقيقًا وتظل عبدًا وتعمل إلى أن تسدد هذا المبلغ.
إذًا هي منة كما قال عمر: "إنما يعرف الإسلامَ مَن عاشَ في الجاهلية"، الذي ابتلي بنارِ الشر هو الذي يعرف طعم الخير، الذي ذاقَ مرارة البُعد عن الله ومرارة المعصية لله هو الذي يعرف طعم الطاعة والإنابة والإيمان بالله عز وجل.
مهمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- كما بينتْها لنا الآية يتلو ويُزكي ويُعلِّم، فالتلاوةُ بمفردِها لا تكفي، لا بد أن يتبع القول العمل، وكلمة يُزكِّي تحتها كل معاني التربية وإخراج الإنسان من دوائرِ المعاصي والذنوب وتطهيره، ونقله إلى الجانب الآخر؛ إلى جانب الطاعة، إلى جانب الطهارة، إلى جانب النقاء.
يقول أحد الصحابة بعد أن أسلم وهو يسخر مِن عَقله يوم أن كان على الشرك، يقول: "كنا نسافر ومعنا خمسة أحجار أو ستة نجعل أربعةً للقِدر، القِدرُ في الصحراء يُوضع فوق أربع أحجار لتُوقد تحته النار، أما الخامس فننصبه ونعبُده ونطوف حوله، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا حصوةً من الترابِ، كمية من الرمل ووضعنا عليها شيئًا من الماء أو مِن اللبن ثم عبدناها من دون الله.
الإنسان ما وصل إلى مرتبة الإنسانية إلا بطاعته لله عزَّ وجلَّ إلا بعبادته وعبوديته لله، فإذا عبَدَ الشجرَ وعبَدَ الحجرَ وعبَدَ الترابَ وعبَدَ البقرَ وعبَد الأنصابَ والأزلامَ.. انتهى.. مات، انتهى عقلُه وانتهى قلبه وانتهت مشاعره، انتهى كإنسانٍ لا يصلح لشيء.. ماذا بقي له من الإنسانية إذا قدَّس الأبقار؟! ماذا بقي له؟ ما قيمته؟! ما وزنه ؟!
ولذلك سيدنا جعفر لما وقف أمام النجاشي وسأله النجاشي: "ما هذا الذي غيَّركم؟ وما الذي كنتم عليه؟ قال له: "كنا أهل جاهلية، كنا أهل شرٍّ، نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، ونُقطِّع الأرحام، ونُسيء الجوار، والقويُّ منا يأكل الضعيف، حتى بعث الله فينا نبيًّا منا، نعرفُ نسبه وحسبه، فدعانا إلى الإسلام، دعانا إلى عبوديةِ الله وحده، دعانا إلى حفظِ الأرحام والجوار، دعانا إلى النصفة إلى العدل، فآمنا به وصدقناه فعدا علينا قومُنا وأخرجونا من مكةَ".
فنظر النجاشي وأخذ عودًا من الأرضِ وقال: إنَّ هذا الذي تقول والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، فنفر البطارقة في مجلسه فقال لهم: "وإن نفرتم"- أي وإن لم يُعجبكم هذا الكلام- ثم قال لجعفر رضي الله عنه ومَن معه: "أنتم آمنون، أنتم آمنون، أنتم آمنون، والله لو كان لي جبلاً من ذهبٍ لتمنيتُ أن يذهبَ وأن تبقوا أنتم، مَن ضرَّكم عُذِّب وأُوخِذ، ثم قال للذين جاءوا من مكةَ: "رُدُّوا عليهم هداياهم وأرجعوهم، وأمَّن المسلمين بمجرَّد أن سمع جزءًا من سورة مريم أو سَمِع كلامًا من جعفر- رضي الله عنه- عن طبيعة الشركِ وعن أخلاق الإسلام وأخلاق الإيمان.
رسولنا- صلى الله عليه وسلم- هو النعمة المهداة هو الرحمة لا لنا، لكن لكل مَن به عقلٌ على ظهرِ الأرض.
بالأمس القريب جاء عالمٌ إنجليزيٌّ إلى مصر وحضرَ مؤتمر السيرة، فسمع قولَ الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ* وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ (فاطر: 27، 28) قال: أسمعوني هذا الكلام مرةً أخرى فسمعه، قال: أسمعونيه مرةً ثالثة فأسمعوه، قال: هذا في قرآنكم قالوا: نعم.. قال: أشهد أنَّ هذا النبي رسولٌ مِن عند الله، ما الذي يُعْلِمه هذه الأشياء وهو في صحراء؟! هذه الآية فيها علم النبات والثمار المختلف ألوانه وفيها علم الأرض طبقات الأرض، والذي يذهب إلى اليمن إلى صنعاء يجد هذه الآية موجودةً هكذا.. أنت في صنعاء تركب سيارةً وتمشي حوالي ساعة بجوار جبل الجزءِ الأسفل منه على امتدادِ الساعة أسود فحم، والجزء الذي في الوسط أبيض، والجزء الأعلى أحمر كالبساطِ الذي تجلسون عليه، ومن الجبال جُدَدٌ بيضٌ، جديد أبيض مثل القطن، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، أسود كالفحم تمامًا، ومشيتُ بجوار هذا الجبل وأنظرُ إلى آياتِ الله عزَّ وجل الموجودة في هذا الكون..
قال هذا الإنجليزي: "مَن الذي أخبر محمدًا- صلى الله عليه وسلم- بكل هذا، كيف عرفَ علم النبات وعلم طبقاتِ الأرض؟ وكيف عرفَ ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ﴾.."؟ علم الحيوان وعلم الإنسان، وبعد ذلك تُختَم الآية ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ﴾ (فاطر: 28)، قال: هذا رسولٌ من عند الله، لا يعلم هذا إلا الله، وليس في الجزيرة العربية يوم أن نزل هذا القرآن من هذا شيء، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وأسلمَ في مصر، هو رحمة لكل عاقل ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24) هل أُغلقت القلوب أو هي مفتوحة لكلامِ الله ولكتابِ الله، يُزكيهم ويطهرهم؟!
تقول السيدة عائشة فيما رواه البخاري كان النكاح في الجاهلية على أربع صور:
- الصورة الأولى صورة الفسقة.. البيوت التي يدخلون إليها- أعوذ بالله منها.
- الصورة الثانية صورة الأخدان الرجل يقول لامرأته: اذهبي فاستبضعي من فلان.
- والصورة الثالثة صورة البيوت التي عليها الرايات.
- الصورة الرابعة هي التي عليها الناس اليوم وهي أشرفُ وأطهرُ وأرقى صورةً في علاقةِ الرجل بالمرأة أبقاها الإسلامُ وهذَّبها، وهي الخِطبة والصداق والشهود والعقد والدخول والإيجاب والقبول.. هذه صورة تتناسب مع إنسانٍ كرَّمه الله عز وجل.
طهرهم الرسول وزكَّاهم في علاقةِ الرجل بالمرأة، طهرهم وزكَّاهم في بابِ الاقتصاد من الربا ودنس الربا، وسوء الربا خطير على العقيدة وعلى الإسلام وعلى الإيمان، يجب على المسلمِ أن يجتنب هذا الطريق، وأن يبتعد عنه؛ لأنَّ بعضَ الناس يظنه زيادةً وربنا يُسميه المحق، والذي يظنونه نقصًا هو الزيادة عند الله، الصدقة أنت تظن المال قد نقص والربا تظن المال قد زاد، والعكس عند الله، وميزان الله هو الميزان الصحيح، قال فيما نظنه زيادةً ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ (البقرة: 276) يذهب جميعًا ويأخذ رأس المال، وقال فيما نظنه نقصًا ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (البقرة: 276) إنَّ الله يُربِّي لأحدكم صدقته كما نُربِّي المُهر أو نُربي الفرس ونكبره.
فالصدقة تكون كهذه ك"عقلةِ الصباع" يُنميها المولى تبارك وتعالى حتى إذا جاء يوم القيامة إذا به يجدها كالجبلِ يدفع بها حرَّ جهنم وحرَّ الموقف، وينجو بها من هذا الموقف الشديد.
طهرهم من الربا، طهرهم من العداواتِ والحروب التي بدون سبب، قتال، كراهية فقال لهم أنتم إخوة.. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)، المسلم أخو المسلم، والمؤمن أخو المؤمن، ويسمع- صلى الله عليه وسلم- يُناجي ربه في الليل ويقول: "وأنا شهيدٌ أنَّ العبادَ كلهم إخوةٌ"، كل ولد بني آدم من أبٍ واحد وهو آدم، ومن أم واحدة وهي حواء، فأعاد للناس الأُخوَّة وحق الجار وحق اليتيم، والمظلوم يرد إليه مظلمته، منَّةً ورحمةً وتزكيةً وتطهيرًا ورفعًا لشأن الناسِ ولشأن المسلمين، حتى قال سعد بن أبي وقاص: كُنَّا أذلاء فأعزنا الله، وكنا فقراء فأغنانا الله، وكنا ضُعفاء فقوَّانا الله، وكنا مُتفرقين فجمعنا الله، وأرسل فينا رسولاً من أنفسنا يتلو علينا آيات ربنا.
أيها الإخوة.. ما أحوج العالم اليوم إلى الإسلام، العالم كله الآن يجري من الخوف والرعب من أمراض الزنا، أمراض الفسق بدأت الأمراض والمصائب التي لم تعرف من قبل، لم نسمع من قبل عن مرض الإيدز، الذي يُمسك الإنسان يحلله ويحوله إلى جثة على ظهر الأرض، وهذا من أمراض الزنا والعياذ بالله، والأمراض كثيرة الأمراض السرية وغير السرية يبرأ المسلم منها ويبرأ غير المسلم حين يُحلل ويطهر نفسه ويعتمد على ما أعطاه الله إياه من طريقٍ شريفٍ كريم.. أمراض كثيرة!!
بالأمس لعلكم سمعتم عن زلزال ابتلع واحدًا وعشرين ألفًا وجرح خمسة وعشرين ألفًا، أو خمسين ألفًا؛ إنَّ هذه الأرض المبسطة التي نحن عليها نعمة من نعم الله، ويمكن أن تتحول إلى غير ذلك في أي مكانٍ على ظهر الأرض، فالإنسان يحس بنعم الله فيشكره ويُقبل عليه ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أن الإسلام هو الشفاء ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء: 82).
أيها الإخوة المؤمنون.. ما أحوجنا إلى القرب من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإلى الاقتداء به وإلى اتباع سنته وإلى تحليل ما أحل الله وتحريم ما حرم الله.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56).
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم انصر الإسلام ووفق أهله، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم تقبل أعمالنا، اللهم تب علينا.
عباد الله.. ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90) اذكروا الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.