في المحطة، وقبل إطلاق الصافرة، تحشرجت روحها بصراخ ذاب وجعاً في ابتسامة نصف مشلولة، وبدموع تحجرت صخراً أدمى ما تبقى من نور أيامها.. ربتت على كتفه.. قبلته قبلة وداع.. وتمنت له معها سعادة لا مثيل لها.. وتعللت بموعد القطار لتشيح بوجهها عنه سريعاً، لئلا يرى مبلغ الانفجار العظيم الذي شتت ملامحها ومزق قلبها.. هرولت، لا ترى من الطريق أمامها شيئاً، ولا تدري أهذه أناس تتخبطهم، أم كالعادة مزيد من الجدران تتخبطها وتمنعها من الوصل حيث أرادت.. ألقت بنفسها في أول مدخل لعربة القطار، واستوطنت أول كرسي صادفها.. بالكاد أوصلتها خطاها الثقيلة، وقلبها المجهد الذي ما عاد له قِبَلٌ بالرقص ولا حتى بالدندنة.. كان هو، وما لم تره هي بوضوح لفرط ارتباكها، متسمراً لا ينطق، لا يتنفس، لا يسمع، ولا حتى يرى.. مذهولاً ومشلولاً لا يذكر من كل قواميس الكلمات حرفاً ينطق به لمنعها من المغادرة.. وهاجس كالطفل يحاول إلهاءه أنه في منتصف حلم سيصحو منه ليجدها بجاوره تهمس له: "أحبك".. لصافرة القطار حين رحل، صوت دوى بداخله فاستوى منتبهاً من شبه الغيبوبة تلك، ونادى بأعلى صوته: "توقف أيها القطار.. توقف وعودي، أنا أحبك".. غير أنها لم ترجع إليه، فسائق القطار آن ذاك كان مصاباً بالصمم..!!